لم يكن العلم يوماً من الأيام هادياً للفن، وإنما كان الفن على مر الزمان سباقاً
وغني أريد أن أتصور واحداً من هؤلاء الذين يتبعون العلم في فنهم وهو يريد أن يضع قصة مثلاً، كيف يضعها؟ إنه يقرأ في كتاب من كتب علم النفس أن الذاكرة تغيب عن الإنسان أحيانً فيبتلعها العقل الباطن، ويعيش الإنسان مدة طويلة أو قصيرة وهو بغير ذاكرة فتصدر منه أقوال وأفعال لا تستقيم مع حياته الظاهرة. وقد يحدث بعد ذلك حادث يعيده إلى ذاكرته أو يعيد إليه ذاكرته، أو قد لا يحدث له هذا الحادث عفواً، فهو إذن محتاج إلى التنويم المغناطيسي يرد إليه ذاكرته
يقرأ الكاتب المثقف هذا فيقول في نفسه: والله إن هذا الموضوع يصلح قصة؛ فلأركبها إذن من رجل وزوجته فتغيب عنه ذاكرته فتشقى هي لهذا، وأخيراً يسعدان بشفأئه، ثم يعود فيقول لنفسه: وما هي الحوادث التي سأوقع بهذا الرجل فيها، على أن تكون حوادث مسلية لذيذة، وعلى أن تكون في الوقت نفسه غامضة حتى يثبت للقراء أنني من أدباء الرمز الذين يستغلق فهمهم على عامة الناس. . . آه. . . فلتكن هذه الحوادث كيت وكيت وكيت. . . وعلى هذا النمط الكيميائي الصناعي يسير صاحب الفن العلمي في فنه فيؤلف قصته أو يركبها فيقرأها القارئ وينفق فيها وقته وهو لا يشعر مطلقاً بأن الفنان الذي (عمل) هذه القصة يختلف في كثير أو قليل عن العالم الذي كتب التقرير العلمي صاحب الفضل الأول في تأليفها.
فهل من طبع الفن أن يسبه طبع العلم؟ لا. . . ليس الفن هكذا ولا إنشاء القصة هكذا. . .
هوجو ابتأس فأخرج البؤساء. هوجو شقي فخلد الشقاء، وعرض منه صوراً لا يقول أحد إنه رآها جميعاً، أو أن كتاباً دله إليها، ولكنه هو أحسها لأن روحه طافت بها. روحه كانت تغادره وتحل في البؤساء على اختلاف ألوان بؤسهم فتتوق للبؤس طعوماً مختلفة ليس أقساها بؤس (جان فلجان) اللص الذي سرق رغيف الخبز، وإنما قد يكون أقساها بؤس (جافير) رجل البوليس الذي كان يتنطع في مخاصمة (جان فلجان) وتتبعه وإحراجه لا لأنه يمقته ولكن لأنه كان يخشى أن يقصر في واجبه، فيكون في نظر القانون مجرماً وهو ما لم يكن يحب أن يتردى إليه بعد أن أحسن المجتمع تنشئته وقد كان لقيطاً رباه المجتمع ليكون حامياً من حماته