تألفت في مصر جماعة من الفنانين سمّت نفسها (جماعة الفن المنحط) وهي اليوم في طريقها إلى التفرق والتحلل لأنها لم تجد عند الفنانين والصحافة والجمهور ما كانت ترجوه من تشجيع، إذ لم يزرها في دارها بشارع المدابغ كاتب ولا صحافي ولا زائر عادي يستمع إلى دعوة أفرادها
(والفن المنحط) الذي تدعو إليه هذه الجماعة لا يمكن أن يقال إنه منحط فعلاً ما دام يجد من يقول عنه إنه فن. إذ أنه لا يمكن أن يكون الفن فناً ومنحطاً في الوقت نفسه إلا إذا كان كاذباً. فالفن هو نتاج الحس لا الفكر. ومتى توفر فيه الصدق فإنه سام رفيع، ولا يفسده شيء ولا يخفض من شأنه شيء إلا أن يكون تكلفاً، فهو عندئذ ليس فناً وإنما هو تهريج وتجارة. وإذا دعا شاعر إلى الفسق في شعره وحسّنه للناس وزينه لأنه يحبه ويجد فيه لذته النفسية، ولأنه يعبر عن هذا الذي يجده تعبيراً صادقاً فلا ريب أن فنه يبهر القارئين لأنه ينفذ من نفسه إلى نفوسهم فإما أن يرضيها وإما أن يؤلمها ويسخطها. وكذلك الرسام المعجب بالأجسام الذي يصور محاسنها ولو في أوضاع يستقبحها العرف وتزورُّ عنها التقاليد والآداب العامة فهو عند الفن ناجح وقادر وعال ما دام يتذوق هذا الذي تستقبحه التقاليد والآداب ويعبر عنه صادقاً في تذوقه وتعبيره
فإذا تصدى شاعرنا للمعاني الروحية المجردة التي لا يحبه هو ولا يتذوقها وأراد بتعرضه لها أن يجاري أصحابها وأن يقال عنه إنه مثلهم روحاني متصوف فإن فنه سينحط ويضعف لأنه سيحتاج في إخراجه إلى الكذب والتزييف والتزوير. وكذلك رسامنا إذا انحرف عن مزاجه الخاص إلى التكلف ما لا تلتفت إليه نفسه من الجمال الروحي لغرض من الأغراض فإنه يكون عندئذ كاذباً ومنافقاً ويكون رسمه منحطاً حقاً
فإذا كانت جماعة الفن المنحط قد تألفت من أفراد صادقين في شعورهم وتعبيرهم ففنهم رفيع من غير شك مهما تواضعوا وقالوا إنه منحط. أما إذا كانوا يتكلفون هذا الانحطاط ففنهم منحط حقاً لا لشيء إلا هذا التكلف. . .