وهل تنبه إلى ما ابتكره الشعراء الأمويون حين أوقدوا نار العصبية الجاهلية؟
يعزّ عليّ والله أن يقع في هذه الأخطاء أستاذ فاضل من أساتذة الأدب بالجامعة المصرية، وهي اليوم معهد عظيم يحج إليه طلبة العلم من أقطار الشرق
يعز ّ عليّ أن يكون في رجال الجامعة المصرية من يفهم أن العصر الإسلامي صورة من العصر الجاهلي في التفكير، وطرائق التعبير مع أن ذلك مستحيل
وهل يتصور عاقل أن خطب علي بن أبي طالب صورة من خطب أكثم بن صيفي مثلاً؟
هل يقول مفكر بأن رسائل عبد الحميد صورة مكررة لما كان يكتب الجاهليون؟
وهل يمكن القول بأن معاوية كان يكتب بأسلوب عمر بن الخطاب؟
إن التطور شريعة طبيعية يا صديقي، فكيف تتوهم أن يكون العرب خرجوا وحدهم على تلك الشريعة؟
إن العرب في أدبهم وتصورهم وعقليتهم قد انتقلوا من حال إلى أحوال، وإن غاب ذلك عن فطنتك الواعية
وأين أنت من القصص الرائع الذي عرفته المساجد في العصر الأموي؟
أين أنت من الشعر الرقيق الذي ابتكره الأمويين في وصف مجالس الأنس والشراب؟
وهل تعرف يا حضرة الفاضل أن العصر الأموي ظلم أقبح الظلم حين اعتدى عليه خلفاء بني العباس بالمحو والتبديل؟
هل مرّ في خاطرك أن العصر الأموي رُزِئ بمؤامرة سياسية حَرَمتْ تاريخه الأدبي من نعمة الوجود؟
ثم ماذا؟
ثم يتحذلق الأستاذ أحمد أمين فيقرر أن الخضوع للأوزان الجاهلية والقوافي الجاهلية جنى علينا جنايات كبرى، لأنه (حرمنا من الملاحم الطويلة التي كانت عند الأمم الأخرى وحرمنا من القصص الطويلة الممتعة)
وهذا الحكم يشهد بأن أحمد أمين يجهل طبيعة الأمة العربية بعض الجهل، ويجهل طبائع الأمم الأخرى كل الجهل
إن أحمد أمين لا يعرف أن العرب ليس في طبيعتهم أن يأنسوا بالمنظومات المطولة في