وظيفته. ولو كان عالماً جرد من شهادته. ولو كان كاتباً حورب في صحيفته!
على أن الأديب القوي هو الذي يصمد لهذا كله ويمضي في إذاعة رسالته مؤمنا بانتصاره. أو قل بانتصار آثاره تدفعه الفكرة الإلهية التي فيه. فإذا اعترف له أبناء عصره بفضله عليهم وعلى الأجيال المقبلة من بعدهم فذاك. وإلا فقد كتب أسمه في ثبت الخالدين. . .
وأدباء مصر في هذا الزمن هم (الطلائع) التي تتعرض للأخطار وتتلقى عن بقية الجيش السهام تتلوها السهام؛ والطلقات تعقبها الطلقات. فعليهم أن يضربوا المثل الصالح لأبناء الجيل الجديد.
وأني لأعلم أن مهمة الأديب المصري في الجيل المقبل ستكون أسهل من مهمة أخيه في هذا الجيل لان الأخير عليه إلى جانب مهمته الأساسية مهمة أخرى هي (التمهيد) وتعبيد طرائق التعبير من نحت ألفاظ. وإصلاح ألفاظ. ومن خلق قوالب أدبية لم يكن لها في تقاليد الأدب العربي وجود كالدرامة والشعر القصص والمقال الاجتماعي وما يتطلبه هذا كله من التغيير في قواعد النظم والكتابة.
وليذكر أولئك الذين يغرمون بتأليف المجامع اللغوية أن إصلاح اللغة لا يقوم به النحات والعروضيون وأصحاب الأبحاث (الفيلولوجية) وإنما يقوم به الأدباء والأدباء وحدهم لأنهم بطبيعة رسالتهم اقدر على ابتكار الألفاظ التي تتلاءم مع المعاني. والأساليب التي تتفق والأغراض. ثم هم اقدر على إذاعة هذه الأساليب وتلك الألفاظ في الناس. ثم يأتي بعدهم أصحاب النحو والعروض وعلوم اللسان يستخرجون من آثارهم القواعد العامة ويرتبونها ويصنفونها ويضعون المطولات والقواميس فيها!
فليمض الأدباء المصريون (وهم قلة) في تحقيق الرسالة السامية التي وجدوا من اجلها والتي يعيشون لها. والتي يجب أن يموتوا في سبيلها كما يموت كل صاحب رسالة يؤمن برسالته وليكن عزاءهم خلود آثارهم؛ وأحرى بالناس أن يقدروا الأديب الذي لا يعيش لنفسه وإنما يعيش لهم!. . .