تكاد تكون رأسية وقممها مخروطيةتناطح السحاب والوادي كثير العشب والخيرات. وتقع واحة فيران في منتصفه طولها نحو أربعة كيلومترات، يرويها نبع من الماء الزلال يتفجر من جوانب الصخر، ويسيل في مجاري تتخلل بساتين الواحة وترويها، والواحة عامرة بالناس والحيوان والمزروعات والحشائش، ففيها من الحيوانات الجمل والغنم والماعز، ومن المزروعات القمح والشعير والبقول، ومن الأشجار النخيل والليمون المالح والتفاح والنبق والتين والزيتون والسرو والعنب والصبير وغير ذلك من الأشجار البرية التي لا أعرف لها أسماء.
كان وصولنا إلى الواحة قرب الغروب بساعة فنزلنا ضيوفاً على الحديقة التابعة للدير وبتنا تلك الليلة بها، وقد رحب بنا الراهب المشرف على الحديقة وزاد في إكرامنا فهيأ لنا عشاء شهياً مركباً من شاة مشوية وبعض البقول المطبوخة والفواكه المحفوظة.
وبعد العشاء جلست إلى الراهب أستمع لما يقول وهو من أصل يوناني يتكلم العربية برطانة ولكنها مقبولة مفهومة قال: جئت هذه الواحة موفداً من قبل المطرانية منذ ستة عشر عاماً وكنت قد جاوزت الستين فوجدت فيها ما كنت أنشده من العزلة وطيب الإقامة ولا يزيدني مرور الأيام إلا التصاقاً بها ومحبة فيها وقد عشت مع هؤلاء البدو الطيبين عيشة عائلية لم تشب عشرتنا طول هذه المدة أي شائبة، وكل ما أتمناه أن تكون حجرتي الصغيرة هذه (مشيراً إلى حجرة تتوسط الحديقة) وهي التي آوتني طول هذه السنين في قيظ الصيف وزمهرير الشتاء، أتمنى أن يكون فيها لحدي كذلك. ثم سكت وأطرق برأسه، وبعد أن تثاءب طويلاً أخذ يرتل نشيداً دينياً بصوت خافت ونغمة عذبة شجية طربت لها واهاجت عواطفي حتى كدت أبكي ثم اتجه إلى ناحية في الحديقة ودعانا نرقب الهلال من ربى سربالة فكان مشهداً لم أر أجمل منه.
ومظهر الحديقة وحسن تنسيقها يدلان على ما يبذله هذا الشيخ من عناية ومجهود، ويقوم على خدمتها جماعة من البدو بإرشاده وله عندهم مكانة واحترام، وهو يعيش بينهم آمناً مطمئناً ويعيشون في كنفه مسالمين قانعين، وهو المتصرف في شئون النبع فلا يسمح لبساتين الأهالي من مائه الا بما يزيد عن حاجة حديقته. ويشرف على الواحة جبال سربالة بجدرانها القائمة وقممها الضاربة نحو السماء برؤوس مخروطية كالسهام. وقد شاهدنا بين