للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالاقتراح عليه أن يسأل ما يشاء، وهي على كل حال فلتات نادرة يسوقها الحظ لمن أراد الله أن يرزقهم من حيث لا يحتسبون!

ولهذه التمنيات آداب معروفةُ يعدّ تجاوزها سفها وحماقة وسوء أدب تلحق أصحابها بالسوقة والإغفال، فلا يصح لمن واتته هذه الفرصة الغالية أن يتمنى على الخليفة ما يحرج به أو يندم عليه أو يقدح في مروءته، فإن ذلك جرأة قد يكون من ورائها رَدى النفوس واستئصال النعم ولو بعد حين!.

فمن أمثلة ما حدّثوا به: من أن الهادي كان عنده يوماً ابن جامع وإبراهيم الموصلي ومعاذ بن الطيب، فقال: مَن أطربني منكم اليوم فلهُ حكمه! فغنّاه ابن جامع غناء لم يحركه؛ وكان الموصلي قد فهم غرضه فغناه في هذا الشعر:

سُلَيمى أجمعتْ بَيْنا ... فأين تقولها أيْنا

فطرب الهادي حتى قام عن مجلسه! ورفع صوته: أعد بالله وبحياتي. فأعاد. فقال الهادي: أنت صاحبي فاحتكم! فقال الموصلي: حائط (بستان) عبد الملك بن مروان، وعينه الحرارة بالمدينة! فغضب الهادي حتى اتقدت عيناه! وقال: يا ابن اللخناء أردت أن تسمع العامة أنك أطربتني وأني حكمتك فاقتطعت! أما والله لولا بادرة جهلك التي غلبت على صحيح عقلك وفكرك، لضربت الذي فيه عيناك! وعبرت فترة قال فيها الموصلي: لقد رأيت ملك الموت قائماً بيني وبينه ينتظر أمره!

ولما سكت عنه الغضب دعا بالقيم على خزائن الأموال، فقال: خذ بيد هذا الجاهل ودعه يأخذ ما يشاء! فلما بلغ بيت المال قال له القيم: كم تأخذ؟ قال: مائة بدرة! قال: حتى أؤامره. قال: تسعين. قال: حتى أؤامره. قال: ثمانين. قال: لا. فعرف إبراهيم غرضه. فقال: آخذ سبعين، ولك ثلاثون! قال: شأنك. قال الموصلي: فانصرفت بسبعمائة ألف درهم وانصرف ملك الموت عن الدار!

ومن ذلك أيضاً: أن دجمان المغني غنى الرشيد يوماً:

إذا نحن أَدْلجنا وأنتِ أماَمنا ... كفى لمطايانا برؤياكِ هاديا

ذكرتك بالدَّيرين يوماً فأشرفت ... بناتُ الحشا حتى بلغن التراقيا

إذا ما طواك الدهر يا أمَّ مالك ... فشأن المنايا القاضيات وشانيا

<<  <  ج:
ص:  >  >>