فقتلتموه). قال لها مروان:(هذا عملك؛ كتبت إلى الناس تأمرينهم بالخروج عليه). فقالت:(والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون، ما كتبت إليهم بسواد على بياض حتى جلست في مجلسي هذا) فكانوا يرون أنه كتب على لسان عليّ وعلى لسانها كما كتب على لسان عثمان مع الأسود إلى عامل مصر. فكان اختلاق هذه الكتب كلها سبباً كبيراً من أسباب الفتنة
وغاية ما يؤخذ عليها عدا أقوالها السابقة الشديدة في عثمان أنها تركته (حين بلغ الحزام الطُبْيَيْن، وحين طمع فيه من لا يدفع عن نفسه) - كما وصف هو نفسه - في أشد الحصار وأحر الظمأ وخلصت إلى مكة. وقد كان راسلها عثمان في أمرها وطلب نجدتها وجاءها مروان بن الحكم فقال:(يا أم المؤمنين لو أقمت كان أجدر أن يراقبوا هذا الرجل). فقالت:(أتريد أن يصنع بي كما صنع بأم حبيبة ثم لا أجد من يمنعني؛ لا والله ولا أُعيَّر، ولا أدري: إلام يسلم أمر هؤلاء؟)
كان طلب مروان في محله، وكان مقامها - لو هي أقامت - ربما نفع وردّ عن عثمان، ولكنها استسلمت رحمها الله لموجدتها، واكتفت أن استتبعت أخاها محمداً أكبر المحرضين على عثمان فأبى
لقد وضح من كل ما تقدم أن أثرها لم يكن ضئيلاً في الحوادث التي انتهت بشهادة عثمان: هذه الفاجعة المشؤومة، بل كان بعيداً بليغاً. وليتها وقفت عند هذا الحد فلم تؤلب الناس على علي وتنغص عليه ولايته. فإن طلحة والزبير لما آلت الخلافة إلى عليّ - وكانا يرجوانها كل لنفسه - وعقدا النية على المطالبة بدم عثمان وتسليم قتلته الذين انضموا إلى جند علي، وهماّ بما هماّ به؛ رأيا أن أمرهما لا يتم إلا بالسيدة عائشة فكانت فتنة ثانية أشأم على المسلمين من سابقتها
طالبت عائشة بدم عثمان واندفعت في هذه السبيل - على رغم تحذير المحذرين، ونصح أمهات المؤمنين - اندفاع الأتيّ الجارف، حتى جمعت الجموع وأحاط بها كل طامع وكل ذي ثأر من أصحاب علي وكل كاره لعلي وخلافته، مع آخرين خرجوا معها عن عقيدة بريئة مغيرين منكراً أو مطالبين بإقامة الحدود. ثم خرجت بهذه الجماهير من الحجاز حتى وافت بها العراق. فلم يكن من محيص دون القتال، ومؤرثوا الشر منتشرون في جماعتها