للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مربوط وزارة الحرب الذي اتفق عليه مع كلفن وإلا يضطر إلى زيادة عدد رجال الجيش على ثمانية عشر ألفاً. أما إذا استمر التهديد بالتدخل فلا مناص له من اتباع الطريقة البروسية أي التجنيد العام لمدة قصيرة ليتمكن من إنشاء احتياطي كبير، وقد سأل عن رأيي في احتمال وقوع الحرب فقلت له صراحة إني بما علمته من اجتهاد كلفن في إحداث التدخل وبما أراه من الهياج الذي بثه في الصحف أعتبر أن الخطر حقيقي. وإني ذاهب إلى إنجلترا لا لشيء إلا لأضع حداً لحملة الكذب التي ثارت في الصحف، وستكون مهمتي هناك نشر الدعوة للسلام وحسن النية، وفي الوقت نفسه لم أستطع أن أنصح له إلا بالثبات والحزم في موقفه وبأن أفضل وسيلة لضمان السلم إنما هي الاستعداد للدفاع. وقلت إن شر أعداء مصر ليس الحكومات الأوربية بل الماليين الأوربيين وإن هؤلاء لابد أن يفكروا طويلاً قبل أن يعرضوا مصالحهم للخطر بالحض على إثارة حرب طويلة ذات نفقات طائلة، وقل أن يسئ أحد إلى أمة مسلحة مستعدة للدفاع عن حقوقها. وأذكر أني اقتبست من شعر لورد بيرون قوله: (لا تأمن الفرنج عل الحرية) فوافق عرابي على ذلك، وكانت هذه فيما أظن آخر كلماتنا، وقد وعدته أن أعود وأنضم إلى الوطنيين إذا شاء القضاء ووقع السوء)

وهذا الكلام من جانب ذلك الفلاح الذي تمخضت عنه مصر في تلك السنين السود في غنى عن كل تعليق. وما ندري ماذا يرى فيه أولئك الذين أرادوا ألا يجعلوا لذلك الرجل مكاناً بين أبطال قومهم، بل أولئك الذين يسلكونه في المجرمين الخائنين لوطنهم فيرتكبون بذلك من ضروب الإجرام ما لن يزال عالقاً بأعناقهم حتى يروا الحق فيصدعوا به وهم راضون؟

ماذا يرى في هذا الحديث أولئك الذين تنفر أسماعهم من اسم عرابي، وأولئك الذين يضحكون من جهله ويسخرون من تطاوله؟ على أننا لا نعبأ بما يقولون وما يهزءون فإنا لنستشف من هذا الحديث وطنية رجل ونلمس فيه عزيمة رجل على خير ما تكون الوطنية وأحسن ما تكون العزيمة. ولئن كان لرجل من ذوى الجاه والثراء أن يفخر بصنيع أداه إلى بني قومه، فأجدر منه بالفخر كل الفخر رجل درج من عش الفاقة وبرز من عامة الناس ففعل ما لم يفعله غيره من أكابر الناس! وإن هذا الرجل الذي يستشرف القلم في غبطة

<<  <  ج:
ص:  >  >>