للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفخر إلى تاريخه ليقدم لنا بما فعل الدليل الناصع والبرهان القاطع على أن تربة هذا الوادي الذي أنبتت بالأمس الفراعين لا تزال تنبت أولى العزم والبأس من الرجال؛ وأن بين هؤلاء الذين يجيلون الفؤوس في غيطانها ويعملون صامتين صابرين في الهجير والزمهرير رجالاهم كالدر المخبوء لو أزيح عنه ما يطمره من تراب لتلألأ وسطع وسحر بريقه المتوهج القلوب والأبصار.

مضت الوزارة في سبيلها غير عابئة بصراخ أعدائها لا تتخاذل من دون غايتها ولا تستبعد الشقة، وذلك على الرغم من أنها كانت لا تجاوز عقبة إلا قام في سبيلها عقبات

ولقد قبع الخديو في زوايا العزلة، وجعل الغدارون الخوانون بينه وبين وزرائه حجاباً من الأباطيل التي أحكموا نسجها. والواقع أن الخديو لم يكن على شئ مما كان يجب أن يتصف به من يضطلع بأعباء الحكم في مثل هاتيك الظروف، فلقد كان مستطار القلب حائر اللب مما يجري حوله، فهو لا يسيغ الحركة الوطنية ولا يستطيع أن يصالح عليها طبعه؛ وهو مستريب في نيات الحكومة العثمانية نحوه ونحو عرشه؛ وهو فزع مما يشاع من دسائس الأمير عبد الحليم، بل ودسائس أبيه ومساعيه في مصر والآستانة على يد أعوانه؛ ثم هو فضلاً عن هذا كله قد بات تحت سيطرة الأجانب وعلى الأخص الإنجليز منهم فما يقطع أمراً حتى يوافقون عليه بل لا يخطو خطوة حتى يرى رأيهم فيها

ومن كان هذا شأنه في موقف كهذا الموقف الدقيق الذي كانت تقفه مصر من أعدائها يومئذ كان مثل الراعي أحاطت الضواري بقطيعه فما يرجو أكثر من أن ينجو هو بنفسه ولو هلك القطيع جميعاً.

وكانت الدولتان كما سلف القول تراوغ كلتاهما الأخرى، وتغافلها بغية الظفر بالفريسة وحدها؛ وهذه هي حقيقة السياسة الخارجية التي لا تفهم على وجهها الحق دون الانتباه إليها، وإن كان كرومر ينفي هذا في كتابه نفياً قاطعاً قائلاً إنه كان ذا صلة وثيقة برجال ذلك العهد جميعاً. ولو أن هذا كان موقف إنجلترا ما منعه شئ عن الاعتراف به.

ولكن نفي كرومر هذا لا يغير الحقائق. وحسبنا أن نذكر في هذا الصدد ما كتبه ريناخ أحد أصدقاء غمبتا عن سياسة الدولتين قال: (إن الرأي العام في انجلترة قد وقع تحت تأثير بعض رجال حزب الشورى الذين اعتقدوا أن خير ما يعمل هو استعجال الحوادث جهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>