إن مواهب هتلر ولا شك تظهر في كثير من الشئون الاجتماعية والمدنية. ويزعم الألمان أنه خطيب لا يشق له غبار وأن لديه مقدرة عظيمة على استهواء الجماهير، وإن كان غيرهم لا يطيق تلك الخطب التي تبدو فيها صرخاته العصبية المزعجة وهو يتكلم عن معاهدات السلم أو يتعرض للاشتراكية أو اليهود
لم يكن نابليون فرنسياً خالصاً، وهو ولا شك من عنصر أقوى صلابة من العنصر الإيطالي، إلا أنه عاش لاتينياً طول حياته. لقد كان سريعاً نحو غايته طموحاً مدرباً على الحروب، منطقياً إلى أبعد حد، ميالاً إلى الانتقام، عصبيَّاً في بعض الظروف ولكنه على الرغم من ذلك كان مسلحاً بدروع سميكة من الصبر وضبط النفس عند الملمات - فهل توجد فروق أكثر من هذه بينه وبين ذلك الرجل المفتون بطبيعته، الذي يتولى زمام الأمور في ألمانيا؟ وشتان بين خيالات العزلة والانفراد على القمم والجنون العجيب بمسألة الدم والنشأة وحياة العزوبة - وبين تلك الحياة التي أخرجت قانون نابليون العتيد، وقادت الجيوش المنتصرة في شتى الميادين، ولم يشغلها كل ذلك عن الحب والمرح في أخطر الظروف
إننا لا نجد وسيلة للمقارنة بين تينك الشخصيتين المتناقضتين إلا في شئ واحد: وهو استعمال القسوة التي تفرضها الضرورة على كل مستبد يساق إلى معاداة العالم. لقد محا هتلر تشيكوسلوفاكية واجتاحها بغير رأفة، وذلك يذكرنا بما فعله نابليون في أسبانيا، ولكن أسبانيا قد عاشت بعد نابليون
الحق أن نابليون أزعج العالم بمحاولته التوسع في الامتلاك ولكنه وقف عند حده. وهذه نتيجة تنتظر كل من تحدثه نفسه بمثل ذلك العمل. لقد كانت جميع الأمم تنظر إلى نابليون بعين الاحترام وهو إمبراطور لفرنسا؛ إلا أنه حينما أراد أن يضع يده على الأرض الأوربية أخذت أوربا تجمع قواها شيئاً فشيئاً واستعدت لأن تقهر أكبر جيش في العالم وأقدر جندي عرفه التاريخ. وعبر الأيام تحثنا بأن كل من تحدثه نفسه بأن يلعب دور نابليون لابد أن يلاقيه في النهاية حظ نابليون.