ترجع معرفتي بالدكتور إلى عهد الصبا، وهو تلميذ للمغفور له الأستاذ السيد مصطفى القاياتي، يختصه بفضل عنايته، ويضفي عليه من أبراد الكرامة، والثناء والإعجاب، ما يبعد في غور الحب بينهما، ويبالغ في تعلق كل منهما بالآخر، تعلقاً يفرع به الأقران ويزهي على كل إنسان؛ ولئن حالت ظروف الحياة دون اتصالي بالدكتور، إنني لأشهد في ثورته - كلما ثار - تلك الروح الجريئة الثائرة، روح أستاذه الكريم حية تتوثب، لا يكبتها ملام، ولا ينهنهها وعيد، ولا تكبحها مخافة، فليت شعري، على أيّ باقعة وقع الأستاذ أحمد أمين؟!
لا جرم أن الأستاذ أحمد أمين كان في جُنة من نبل نفسه وكرم أخلاقه، ومن آثاره القيمة التي لا تدفع عن موارد الخلد، لو أنه جرى على سننه وأخلد إلى غيله الذي لا يقتحم واستخدم تلك الأذن الذي سكّها - قديماً - ما كتبه الدكتور زكي ناقداً به الدكتور طه حسين بك، فجعله يرسل حكمه على أولهما في حثيثته المأثورة: إن الدكتور زكي يلقى مجادلة كما يلقى المصارع المصارع، لا كما يلقى العالم العالم. . . أو كما قال
بيد أني أرى الأستاذ أحمد أمين في عهده الأخير، أغفل من خلاله، ما فتح به للدكتور ثغرة ينفذ منها إلى إدراك ثأره القديم؛ والدكتور - ولا نكران للحق - لَماح يقظ؛ ما لبث أن انتهزها فرصة سنحت، فشفى بها نفسه، بلا ثمن ولا استكراه
مازلت أعرف للأستاذ أحمد أمين فضله ونبله منذ تصورت معنى النبل والفضل، حتى قرأت له عام أول رده على فضيلة الشيخ اللبان في جريدة الأهرام؛ ذلك الرد الذي كان عنوانه:(أدب الخطاب)!! والجواب يقرأ من عنوانه؛ والشيخ اللبان - وإن جردناه من جميع مميزاته - لن نستطيع أن نجرده من جلال السن، ومن الشيب في الإسلام؛ فليس مما يليق في أدب ولا عرف أن يعلم أدب الخطاب
من حق الأستاذ ومَنْ دون الأستاذ أن يردَّ على مخالفه، ولكن من حق المخالف ألا يشتم؛ ولم تكن خشونة الكلام وسيلة من وسائل الإقناع المنطقي، إلا في المواطن التي تنكرها الحجة، ولا يعترف بها العلم؛ والأستاذ في علمه وفضله، لا تعوزه حجة، ولا يعجزه برهان
كانت هذه عندي أول زلة للعالم الجليل. فأما الأخرى، فهي إنشاؤه لمجلة الثقافة التي أزالته