جماهير الناس في تلك الأزمان التي كانت أغلب علومها تدور حول البحث في قلب أشياء الطبيعة كقلب الرصاص إلى ذهب وحول علوم التخييل كالسحر والسيميا وكيفية شفاء المرض بالتمائم والتعاويذ وتحضير الجن والاستهواء وراء القوى الخفية والتحايل على تزويق الأصنام وإنطاقها وخلع معاني الحياة وحركاتها عليها إمعاناً من الكهنة في بسط سلطانهم وسعياً من العامة وراء غيبوبة الأحلام وبدوات الأماني والأوهام
ولا تزال بقايا كبيرة من السحر والمثنوية راسبة في أذهان الجماهير في عصرنا هذا (فعيادات) كثير من الدجالين والمشعوذين أحفل بالزائرين من عيادات كثير من الأطباء الذين يعتمدون على العلم والاختبار، وقبور كثير من المشايخ تقصد الاستشارة والاستخارة أكثر مما تقصد مجالس العقلاء المجربين الذين يعطون الرأي والمشورة التي لا تخطيء. فكيف يهمل الله هذه النزعات الطفلية في نفوس أكثر القطيع الإنساني من غير أن يحملهم على الإيمان به من طريق الحس وإقامة الحجة الدامغة - في رأيهم - حسب ما يقترحون! وإذا علمنا أن الغاية من المعجزة غاية عظيمة بل أعظم غايات الحياة وهي حمل كثير من الناس على الإيمان بالله وإنقاذهم مما يهدر كرامتهم ويسفل بهم إلى أقل من درجة البهائم وهو السجود لصنم واللياذ به وبيع الحرية الفكرية والشخصية. . إذا علمنا ذلك تبين لنا أن المعجزة أمر محتم لتكملة السعي في سبيل إنقاذ الإنسان
وإذا لم يهتم رب الحياة بأمر الفصل بين أكبر الحق في الحياة وهو الإيمان به وأكبر الباطل فيها وهو الكفر به فمتى يهتم؟ وما هي غايته من خلقنا إذاً؟ فلقاصري الإدراك أن يطلبوا ذلك ممن يتحدث باسمه تعالى حتى تقوم الحجة الحسية أمامهم