الجاهلة المحدودة الإدراك الواقفة عند المحسوسات الغارقة في الجهالات الموزعة عقليها بين السحر والمخرقة. كل أمة في عزلة عن الأخرى لا ترى إلا قطعة محدودة من الأرض وأفقاً ضيقاً من السما. . . ترى ظواهر الطبيعة ولا تستطيع لها تعليلاً، تأكلها الفواجع وتحصدها الأوباء ويستبد بها الكهنة والرؤساء وتسير كقطعان سائمة هائمة في بيداء الحياة ليس لها علوم وآداب إلا ما هو في نطاق ضرورة العيش والارتفاق
ثم يفاجئ أحد هذه المجتمعات رجل يحاول أن يحطم كل وثن معبود ويذب كل شر ويحمل على كل خير ويخلع أمته من ماض وتاريخ وسيرة آباء ويقول - وهنا الهول والدهشة - أنا رسول من الله رب السماء والأرض اختصني الله من بينكم وألقى عليَّ روحاً من أمره وكلمني! نعم كلمني! وهذا الرجل في الغالبية المطلقة من الأحيان يكون فقيراً لا مال ولا جاه له مما يفتن العامة ويدعوا إلى احترام الخاصة
فمن ذا عساه أن يؤمن مع هذا الرجل من مثل هذا المجتمع المنحط الخاضع لمنطق الطفولة، الذي لم يدرك الحق بنفسه؟
أظن أنه لا جدال في أن من يستجيب سريعاً لهذا الرجل هم العدد الأقل ممن يلبي كلمة الحق لأول سماعه بها، وهؤلاء حتى في زماننا زمن العلم والحرية والديمقراطية لا يكادون يبلغون عدداً تصلح معهم شؤون الأرض ويستقر العمران ويتحقق نمو حركة الفكر والخلق. فلابد لصلاح الأرض من صلاح جماهير العمال والزراع وهؤلاء هم القطيع الذي يملأ بقاع الأرض ولا يستطيع المصلحون أن يحققوا مثلهم العليا إلا إذا تسلطوا عليه وملكوا قياده، وهؤلاء هم موضع عناية الله ووصاياه لأنهم لا يستطيعون أن يتفرغوا لإدراك كماله وجلاله إذ أنهم مشغولون بالسعي إلى الرزق والضرورات المادية ويخيل إليَّ أن الله تعالى لاحظ في وضع النبوات الأولى منطقهم ووجدانهم أكثر من غيرهم من الخواص لأنهم هم جمهور الإنسانية لا تستقيم أمورها إلا بإرضائهم وإصلاحهم أما الفلاسفة والحكماء فقليلون كما قدمنا. ولو راعى الله منطقهم المعقد وإدراكهم المتشعب فأرسل الرسالات بأسلوبهم وحدهم فجاءت كتب الدين ككتبهم إذا ما استجاب للإيمان غيرهم وهم في جسم الإنسانية كنسبة شعرة في جسم فيل
فلابد أن نفهم هذا لنفهم أنه كان لابد من وسيلة أخرى غير وسيلة المنطق والعقل لإخضاع