وينبغي أن نتذكر دائماً أن كل شيء في الطبيعة معجز ومحير. وأن إضافة شيء إلى الطبيعة من أعمال الإيجاد والخلق في ظروف استثنائية تقضي الضرورة بإحداث حجة حسية دامغة فيها، تلك الإضافة لا تزيد عجباً ولا تستحق دهشة أكثر من غيرها من الموجود قبلها
وينبغي أيضاً أن نمنع خيالنا من تصور الله تعالى خاضعاً لطرق صناعتنا. . . فهو لا يحتاج إلى مخابير ومعايير ومنافيخ وآلات ومعامل حتى يخرج شيئاً وإنما المسألة بالنسبة إليه بسيطة هينة. . وقد وهم إبراهيم عليه السلام حين قال له:(رب أرني كيف تحيي الموتى) إذ أنه ظن أن هناك كيفية وأسلوباً محسوساً لإيجاد الله للأشياء فقال له الله: (أولم تؤمن؟ قال: بلا، ولكن ليطمئن قلبي. قال: فخذ أربعة من الطير فصُرْهُنَّ إليك (أي اذبحهن) ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادْعُهُنَّ يأتينك سعياً) فلم ير إبراهيم من كيفية الخلق أكثر من هذا. وهو هو نفسه الأسلوب الذي نراه كل يوم وكل ساعة في وجود الأشياء من نبات وحيوان، وفي تجدد المادة والقوة والطاقة
فالأمور والأشياء من أولها إلى آخرها معجزات وآيات محيرات. ولو خلقناها بأيدينا لم يذهب ما بنا من حيرة ودهشة كما قدمت في أول هذا المقال
أقول هذا وأطيل فيه لأبين للذين تصدمهم المعجزات الحسية المنسوبة إلى الرسل السابقين قبل محمد وتصدهم عن الإيمان بالنبوة بمعناها عند جمهور الناس أن أمرها أهون في التقدير مما يتصورون وأنها لا تستلزم هذه الحيرة والدهشة لأن الله يفعل مثلها في كل دقيقة ملايين الملايين
ثم إن الله تعالى لم يضع قوانين الخلق ليتقيد بها كالأغلال والأصفاد فلا مانع أن يحطمها في جزئياتها التي يدركها الناس عن قرب في ظروف استثنائية حتى لا نتوهم - كما توهم بعض فلاسفة اليونان - إن الله لا يقدر على مخالفة سنن الطبيعة
ما قدمناه من الحديث يدور حول علاقة المعجزة بالطبيعة وسننها المطردة وحول علاقتها بالله موجد الطبيعة. ويبقى حديث حول علاقتها بالناس وعقولهم وآثارها في الدعوة
هل هناك ضرورة قاهرة على أحداث المعجزة؟
للجواب على هذا ينبغي أن نستحضر صور المجتمع الإنساني في عصوره الأولى البدائية