للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هوان ومذلة عل يد هؤلاء السادة الذين استنزفوا دماءهم، واتخذوا منهم عبيداً وإماء.

وماذا كان ينتظر من عرابي غير أن يطبق القانون وهذا أقل ما يفعله رجل هو زعيم ثورة كان هذا القانون ثمرة من ثمارها؟ ماذا كان ينتظر من ذلك الذي ظل طول عمره ناقماً على الجراكسة في الجيش، فلم يكف عن الشغب عليهم وهو لم يزل بعد جاويشاً لا حول له ولا قوة، ولم ين عن مقاومتهم ومصاولتهم في كل خطوة خطاها في سلك الجيش حتى انتهت إليه زعامته؟

أجل، ماذا كان ينتظر من ذلك الرجل، وما كان حقده على هؤلاء في يوم ما صادراً عن أنانية أو عن صغار، وإنما كان مبعثه ما يحس في أعماق نفسه من حماسة وطنية، وغيرة قومية هما في مقدمة ما يتصف به ذوو الكرامة والعزة من الرجال.

ومهما يكن من الأمر فما كان عمل عرابي في أي صورة له مما يقابل بالقتل! ولا كان تقديم المتآمرين إلى المحاكمة مما يستأهل ذلك السباب الذي راحت تنبح به جوقات الاستعمار؛ وهل نسى هؤلاء أن عرابياً وصاحبيه قد ألقي عليهم القبض من قبل لمجرد أنهم تقدموا ليرفعوا شكواهم إلى أول الأمر مما كانوا يحسونه من إجحاف بحقوقهم؟ وكيف لا يستحي دعاة الاستعمار أن يلوموا ذلك الرجل بالأمس ويتهموه بالفوضى لأنه شكا أمره إلى رؤسائه حتى إذا ألقي عليه القبض عدوا ذلك من الحكومة عين الصواب ثم يعودون اليوم فينددون به ويستصرخ عليه بعضهم بعضاً لأنه يقدم إلى المحاكمة فريقاً يتآمرون على قتله؟!

عول المتذمرون من الضباط على قتل عرابي وأصحابه من كبار رجال الحركة الوطنية، وقد عمل الدساسون من عصابة راتب على دفعهم في هذا السبيل الوعرة وزينوا لهم الفعلة وهونوا شأنها في قلوبهم، ولكن ضابطاً جركسياً يدعى راشد أنور أفندي فوت على المتآمرين قصدهم إذ كان قد خالفهم لأمر ما فبادر إلى عرابي وأفضى إليه بما يعلم. . .

وفي اليوم الثاني عشر من أبريل عام ١٨٨٢ قبض على تسعة عشر ضابطاً وسيقوا إلى المجلس العسكري، وبعد ذلك بعشرة أيام بلغ عدد المقبوض عليهم ثمانية وأربعين، وكان من بينهم عثمان رفقي باشا نفسه؛ وقضى المجلس بإدانة أربعين رجلاً منهم رفقي هذا فحكم بتجريدهم جميعاً من ألقابهم ونفيهم إلى أعالي النيل الأبيض في ربوع السودان

واتت الفرصة كلفن وماليت وهيهات أن تواتي الإنجليز فرصة فيضيعوها؛ لذلك ما كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>