للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أسرعهم إلى استغلال الحادث فبدءوا أولاً يذكرون التعصب الأعمى ثم انتقلوا إلى الفوضى الحكومية واعتبروا ترقية الوطنيين مظهراً من مظاهر الرشوة التي أريد بها التأثير في رجال الجيش كي يكونوا على استعداد عند أول صيحة؛ ثم رأوا في محاكمة الجراكسة مظهراً من مظاهر الظلم والاستبداد الغاشم قائلين في منطق عجيب إن المؤامرة وهمية لم توجد إلا في رأس عرابي، وإن الغرض منها لم يكن سوى التخلص من الجراكسة بأية وسيلة، وإن المحكمة العسكرية التي فصلت في الأمر كانت جلساتها سرية فكانت تعمل بما يشير عرابي، لذلك جاء حكمها في منتهى القسوة بحيث لا يقل عن الإعدام. ولم يكفهم ذلك فبلغ من جرأتهم وإيغالهم في القحة أن ادعوا أن عرابياً كان يذهب إلى السجن فيعذب هؤلاء الجراكسة أيام المحاكمة ويشفي غليل نفسه بمنظر ذلتهم وخضوعهم!

ولقد جعل المستعمرون هذه المحاكمة من أكبر سوءات ذلك العهد ومن كبائر خطيئات عرابي؛ وحذا المؤرخون من الإنجليز حذو الساسة في موقفهم من هذه المسألة، ومن هؤلاء كرومر، وهو رجل كان بحكم صلته برجال ذلك العهد جميعاً يعلم حقيقة الأمر، ومع ذلك طاوعه ضميره في أن يقول في كتابه: (لم يظهر دليل جدير بالتصديق ولا ظل دليل على أن تهمة المؤامرة كانت تهمة حقيقية؛ وكان حكم المحكمة العسكرية وثيقة وحشية تحمل طابع المظاهر السياسية أكثر مما تحمل طابع الحكم القضائي؛ وكان عرابي كثير الظن شأنه في ذلك شأن كل جاهل من الرجال، ولم تعش المؤامرة على قتله إلا في خياله هو فحسب).

وأخذ فريق من المصريين هذا الكلام كما أرسل على عواهنه وشايعوا الإنجليز وا أسفاه في رأيهم هذا في عرابي كما شايعوهم في غير هذا من الآراء، الأمر الذي يؤلمنا أشد الألم! فليس يعنينا ما يقول وخصوم الوطن وخصوم عرابي، ولكننا نضيق كل الضيق أن تجوز الأباطيل على المصريين في رجل منهم جدير بأن يفتخروا كل الفخر أن كان ينتمي إليهم، ومن هنا ضاع تاريخ عرابي وأنكره بنو قومه، فأضافوا إلى عيب خضوعهم للدخيل فضيحة مشايعته فيما يسبهم به من شخص رجل من رجالاتهم.

ويجدر بنا أن نضع تحت عيني القارئ ما كتبه الشيخ محمد عبده تعليقاً على المؤامرة ليقارن بين كلامه وكلام كرومر. قال في كتابه إلى بلنت: (وكانت الوزارة تعرف منذ زمن

<<  <  ج:
ص:  >  >>