آخر مسحور العينين يمد لها شفتيه ويقول: هات؛ ومراهقين آخرين ما بين هذا وذاك يريدون مما يطلبه هذا ومما يطلبه ذاك. والحياة أمام هؤلاء جميعاً تعطي وتأخذ مثلما تعطي، مثقال ذرة بمثقال ذرة. وهي كما تكمن في هؤلاء الأحياء، تلبد في غيرهم من الأحياء المتجسدة، والأحياء المتجردة، وهي تعرض نفسها في مظاهرها المختلفة أما النفوس فلكل نفس منها ما تحب وما تشاء. فمن أخذ منها مادة لم يستطع أن يعطيها إلا مادة، ومن أخذ منها معنى أعطاها معنى، ومن أخذ منها معاً أعطاها منهما معاً. والمراهق قد تكوَّن مما أخذه من الحياة وهو ليس مادة فقط لأن الناس ليسوا مادة فقط فهم مادة وشيء آخر نقول عنه نحن إنه روح ويقول عنه ناس آخرون إنه نفس، ونحن وهم نقول إنه شيء متجرد عن المادة التي تتزيا بها الكهرباء في أزياء مختلفة. فلابد إذن أن يأخذ المراهق (كغيره) من مادة الحياة ومعناها ليعطيها مادة ومعنى، وأيهما أكثر الأخذ أكثر العطاء. ومن الناس من يقنعون في هذه السوق بالضروري اللازم لإقامة إحدى ناحيتيهم ويلحون في طلب مكملات الناحية الأخرى؛ ومنهم من يتوسطون فيطلبون من هذه مقدار ما يطلبون من تلك، وهذه الأرض تستطيع أن تمد الناس بحاجتهم من المادة وزيادة؛ وسماء المعاني تستطيع أن تهب الناس حاجتهم من المعاني وزيادة؛ والناس في التنازع على المادة يتخاصمون ويتعادون، بينما هم حين يتناهبون المعاني يزدادون تقارباً وتفاهماً وتحبباً وتعاطفاً وتوحداً. فكلما اهتمت البشرية بالناحية المادية أمعنت في التبعثر والتفوق والتشتت، وكلما توغلت في الناحية الروحية أمعنت في التماسك والانسجام. ونحن إذا رجعنا إلى تواريخ الأفكار والدعوات الروحية رأينا أخلصها روحاً أكثرها تعاوناً بين أنصارها، ولم نر الاختلاف يدب إلى هؤلاء الأنصار إلا حينما تنزلق إلى فكرتهم دواع مادية فتلوثها. فالواجب إذن على البشرية إذا كانت تريد أن تستخدم عقلها في الخير أن تقنع من المادة بما يقوم الحياة البدنية فقط لا أكثر ولا أقل، وأن تنقذف بالوافر الباقي من نشاطها إلى حيث يمكنها أن تتوحد. وهذا هو ما دعا الأنبياء إليه، وحاشا أن يكونوا مجانين، وإنما هم أنبياء وقد أرشدوا البشرية إلى طريق الخير ومضوا، فاتبعهم أولياء أقنعت الدعوة إحساسهم وعقلهم، وانساق في طريقهم فنانون يتعشقون في هذا الكون جماله، ويطلبون كماله وكمال أنفسهم معه.