- ولكن البشرية إذا اتبعتكم في هذا عادت كما كان يعيش أهل الكهوف، أو كما يعيش أهل الغابات
- وهل تحسبون الحال اختلفت؟ الكهوف باقية ولكنها اليوم عمارات من ناطحات السحاب. وفي الغابات يصيد الناس الحيوان ليأكلوه، وفي هذه العمارات يصيد الناس بعضهم بعضاً ويأكل بعضهم بعضاً، وقد عافت البشرية أن تأكل لحمها فأكلت في العمارات ضميرها وشرفها وروحها. إن أهل الكهوف كانوا أقرب منا إلى السماء، وإن أهل الغابات لا يزالون أقرب من أهل العمارات إليها.
- ولكن هذا العلم الذي علمناه، وهذا العقل الذي نما فينا. . . أنلقيهما في الفضاء لنعود إلى حياة العراء؟
- لم يقل أحد هذا. وإنما نستطيع أن نجند علومنا وعقولنا لتنظيم أرواحنا لا للترفيه عن أجسادنا، وسنرى عندئذ أن أكثر ما نعمله لغو لا يغذي الروح، وسنرى عقولنا قد اسودت من كثرة ما كذبت علينا وأضلتنا طريقنا
- وعندئذ ماذا نصنع؟
- عندئذ ينتعش إحساسنا. عندئذ يبدو لنا الكون في آلاف الصور وكلها محببة. وقد يعيننا صوم الأنبياء على تذوق الحب واستساغته، وقد يصرفنا هذا العشق الشفاف عن تهافت الأبدان وتجاذبها. . .
- وبعد ذلك تنتهك قوى البشرية فتتخاذل وتهزل ويقل نسلها وتموت
- من أين جئتم بهذا؟ سيأكل الناس من الأرض ما يعيشون به، والطبيعة لا تريد منهم أكثر من أن تعيش أبدانهم. فإذا أخذوا منها أكثر ما يلزم لها خالفوا قانونها وظلموها وظلموا أنفسهم، وسينجب الناس بقدر ما يحفظون نوعهم وبقدر ما يسمح للحياة المادية أن تسلك أبدانهم إلى مرحلتها الجديدة. وليست الحياة تريد أكثر من هذا. والحياة بعد ذلك تطلب الإنجاب الروحي الذي يؤديه الإحساس. الحياة تطلب الفن طلباً طبيعياً واجب الأداء؛ فأين هو في هذه الحضارة!
- إن الحياة هي التي حبست عرائسها الروحية عن البشر في هذا العصر!
- بل هن معروضات أمام الأرواح النابهة، ولكن ما أقل هذه الأرواح النابهة الآن؟ لقد