كوتون، وتتلمذت على موتون، وصاقبتهما عشرة أعوام أو يزيد - ولقد كانا بنائيين ينظران إلى المسائل ويسائلان أنفسهما: هل من وقائع حقيقية وراء ما نرى أو ما نقول؟ وإني أضرب لك مثلاً:
عندما فصل مليكان جسيماً واحداً يحمل إلكتروناً حراً واحداً كنا واثقين بعمله. فقد كانت نتائجه التجريبية تُحتم شحنة الإلكترون بالقدر الذي أعطاه مليكان ما دام منطق الحساب البسيط صحيحاً. هذا الحساب الذي تعلمناه كلنا بالمدارس - وبالمدارس الابتدائية على الخصوص - فقد كان الحديث عند مليكان عندما استطاع أن يرى هذا الجسيم واقفاً بلا حراك بين كفتي المكثف الكهربائي حادثاً خاصاً بقاعدة حسابية بسيطة معروفة لدى طلبة المدارس الابتدائية، وهي قاعدة القاسم المشترك الأعظم.
عندما نتساءل عن العدد الذي يقسم الأعداد: ١٤، ٢١، ٢٨، ٣٥، ٤٢، فإن الجواب معروف. فالعدد ٧ يقسم كل هذه الأعداد. ولقد كانت تجارب مليكان المعروفة التي عين فيها شحنة الإلكترون لا تخرج في فكرتها الأساسية عن العملية السابقة بالذات. لذلك كان إيماننا بها بقدر يقينا في جواب المسألة الحسابية السابقة ولكن عندما نتحدث أيها الأخ عن ملايين ملايين السنين فإن للقوانين اعتباراً آخر، وللظواهر تطورات نجهلها.
وبعد الذي ذكرت كم أكون سعيداً لو استوثقت يوماً أنك تنظر إلى المسائل نظرنا إليها وتعالج الأمور معالجتنا لها - قد أكون مخطئاً فيما ذهبت اليه، ولكن هكذا تكونت وهكذا دَرَسْت. ولا تصفني إن سمحت بعد اليوم بالعالم المدقق والطبيعي المحقق، ولا تذكرني كما تذكر علماء السوربون وأساتذتهم الأعلام فإن هذا شرف لم أنله ومرتبة لم أرتفع إليها. ولابد من أن يتسع العمر كثيراً لنطالع عشرات ما طالعناه، ولابد من أن تمر سنون عديدة لنستوعب الكثير مما لا نعرف.
وفي الختام أشكر لك كلماتك السابقات التي لا أستحقها، وأعدك وقراء الرسالة بأنني سأتم كلامي عن الذرة والإلكترون وسأخص تجارب مليكان وبيران عن الإلكترون بشيء من العناية. فإذا ما انتهيت من هذا فسأتناول أربعة موضوعات رئيسية تتصل كلها بالتفكير الحديث ومستقبل البشر: الْكَم أي (الكوانتا) لمؤسسها العالم الكبير بلانك، وربما تكلمت عن علاقتها بالقضاء والقدر. والنسبية (لإينشتاين). والموجية للعالم الشاب (دي بروي).