كما نستطيع أن ندرك أن الأرض والعصا واللاعب مجموعة تختلف عن الأرض والعصا بلا لاعب
حدثت القارئ فيما تحدثت به إليه عن نملة تجولت في سرادق فسيح في ليلة عزاء، وقلت إنها فهمت أن الدنيا كلها سرادق تضيئه أنوار ونادل يسقي قهوة وفقيه يرتل الآيات، وقلت إنها بهذا أخطأت صورة الدنيا، كذلك نحن والكون وما يحدث له في المستقبل البعيد من تطورات؛ فقد تعلمنا كثيراً وزادت معارفنا ولكننا فضلاً عن ذلك قد تعلمنا شيئاً أجدى وهو أننا لا نعرف عن الأصل في الكون والمستقبل في التطور أكثر من معارف النملة التي لم تفارق السرادق والتي لا تعرف ما بخارجه
فلتكن مثلي. لا تجادل في الغيب بهذه السهولة ولا تتحدث عن الحياة والمادة والروح بهذه الطريقة من التوكيد التي تحدثت بها. إن الشك أجدر بالعلماء عندما ينزلون إلى ميدان أصل الوجود ويحاولون معرفة سر الخليقة. لذلك عندما ذكرت أنني أفترق عن التفاحة التي نأكلها وعن المحبرة التي أملئ منها هذه الأسطر كان عندي إيمان قوي بما أقول، وإن لم يكن لدي ولا عند غيري الدليل العلمي للتدليل على ذلك بما لا يقبل الجدل
ومع ذلك وبعد الذي ذكرت أرجو ألا تنسى أيها الأخ أنني من الذين يؤمنون بالعلم التجريبي فيعيرونه كل تقدير ولا يؤمنون كثيراً بالعلم النظري فلا يولونه من الوقت إلا اليسير، وإنني لا ألجأ إلى التعمق في العلم إلا بالقدر الذي أعتبره طريقاً لمراهن الذهن والتعود على الفهم. فإذا رأيتني لجأت إلى النظريات تارة فإنما أشرح للقارئ طرائق التفكير الحديث وأستعرض بإخلاص قصة الخليقة وفق أحدث ما يقوله العلماء وما يتراءى للمفكرين
أما إذا خاطبتني كرجل تَخرَّج من المعامل، ويود أن يقضي البقية من العمر فيها، فإنني ممن لا يجيزون البت في مستقبل الكون بهذه السهولة، وعلى هذه الصورة. وعلى ذلك فلست ممن يؤمنون بالبولتزمانية إن صح أن نعطي التفسيرات الحرارية الأخيرة هذه التسمية إلا بقدر أنها صحيحة في مرحلة انتقالية للكون هي المرحلة التي نجتازها؛ وهذه المرحلة قد يتبعها مراحل لا تكون البولتزمانية موضوع الحديث.
وبعد فتراني أصبو إلى الطرف الإيجابي من المسائل والظواهر عامة. لقد درست على