للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا سبيل (فيما أعلم) إلى تبديله أو تغييره، ومنها ما هو مبني على عرف كان سائداً في عصر الفقهاء المجتهدين، وقد تغير العرف فيجب أن تتغير الأحكام المبنية عليه. أذكر أنه مر معنا عند درس (المجلّة) في كلية الحقوق أنه إذا باع الرجل دابة له واشترط على المشتري ألا يركبها في البلد مثلاً فالشرط لغو لا قيمة له، وقد بني هذا الحكم على اعتبار هذا الشرط ضاراً بالمشتري في حين أنه لا ينفع البائع، فألغوه على قاعدة (الضرر يزال). . . فإذا وجدنا فيه نفعاً للبائع كأن يكون البائع للسيارة سائقاً يشتغل بنقل الركاب على طريق معين، وأن يكون استعمال المشتري للسيارة على الطريق عينه مضراً به. . . فإنه يجب في هذه الحالة اعتبار هذا الشرط صحيحاً، فما هو قول علمائنا الأعلام؟

والربا؟ أليس الربا المحرم هو استغلال صاحب المال حاجة المستقرض وإرهاقه بالزيادة، وضم الزيادة إلى رأس المال عند عجزه عن الدفع (على طريقة الفائدة المركبة) حتى تستغرق الفائدة رأس المال أو تزيد، وأنه حرم لما ينشأ عنه من خراب للبيوت وتنازع بين الناس وتسرب البغضاء إلى النفوس؟ أو ليس هنالك فرق (عظيم) بين هذا الربا وبين معاملات المصارف. فأنت حين تعامل المصرف لا تستغل حاجته، ولا ترهقه بالفائدة بل هو الذي يعرضها عليك. فهو أشبه بشركة المضاربة ولا يشترط (فيما أظن) تقسيم الربح بالتساوي بين الشريكين، ولا مانع من أن يساهم المضارب ببعض المال. فإذا صح هذا أمكن أن نعد القائمين على أعمال البنك بمثابة الشريك المضارب، والمساهمين بمثابة صاحب المال، والخسارة تكون بالطبع على أصحاب رؤوس الأموال بنسبة أموالهم. بقي أن البنك لا يستعمل المال في التجارة ولكن يستثمره بطريق الربا أيضاً، وهي التي لا وجه لها عندي. فما هو قول علمائنا الأعلام؟

إن الإسلام إذا كان لكل زمان، فإنه يجب أن يكون لكل زمان فقهه، والفقه الذي يقرؤه الطلبة في الأزهر وغير الأزهر لم يوضع لزماننا، وإنما وضع لأزمان مضت. وأنا معجب أشد الإعجاب بالفقهاء المتقدمين، فإنهم لم يدرسوا وقائع أزمانهم ويضعوا لها الأحكام فقط، وإنما فرضوا الفروض وبحثوا عن أحكامها. فأين فقهاؤنا الذين بحثوا في المسائل الفقهية الناشئة عن الراديو مثلاً وحكم سجود التلاوة عند سماع القارئ فيه، وحكم الاقتداء بالإمام الذي تسمع قراءته في الراديو والمسائل الناشئة عن وسائط النقل الحديثة والسفر بها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>