وما أوشك أن يؤول إلى ثروة تراجع فأوشك أن يؤول إلى إفلاس!
وبلغت الشكايات إلى مسامع الحكومة قبل أن يبلغ التقرير إلى مراجعها، ثم نظرت في التقرير بعد انتهائه إليها فإذا هو اضطراب في الأهواء، واضطراب في الآراء، واضطراب في الأرقام والأسماء، فقالت: عليه وعلى كاتبيه العفاء!
زعموا هذا وزعموا أن أديباً كيِّساً نصح إلى الحكومة جهد نصيحته فأشار عليها بالتعويل في أمر الضريبة على أناس غير الفلاسفة وغير خبراء الفنون
ماذا عليها مثلاً لو عمدت إلى طائفة من هواة السهر، وعشاق الحسان في باحات السمر، فناطت بهم تقدير الجمال، وتقدير جباية الأموال؟
هؤلاء أناس من أوساط الناس ليسوا بأصحاب إمعان في الحقائق والأسرار، ولا بأصحاب تصعيب في القياس والاختبار؛ وهم مع هذا يعرفون النساء، ويحبون الشمائل الحسناء، فلجنة منهم هي أصلح الأكفاء لتقويم الجمال كما يقومه عامة الرجال والنساء
وإن الحكومة لتهم بالموافقة والتصديق، إذا بصديق يأخذ عليها الطريق، وينهاها عن هذا الفريق، لأنه أعجز فريق عن التوفيق في هذا العمل الدقيق!
سألوه: لماذا؟
فأجابهم: لهذا. . .
وهذا عنده هو دعواه أن رواد المراقص والملاعب لا يحبون الحسناء لأنها حسناء، ولكنهم يحبونها لأنهم يحبون المغالبة والرهان، والمفاخرة والشنآن. . . فشأن المرأة عندهم كشأن كل علامة يتحقق بها الغلب والظهور، وما يبذلون من مال في هذا المجال فإنما يبذلونه بذل المراهن أو بذل المقامر أو بذل المتحدي في أمر من أمور العناد والإصرار، ولا يبذلونه تقويماً للحسن ولا للمتعة ولا لإرضاء الذوق السليم والفن الجميل
ويتفق كثيراً أن تغلب خلاعة المرأة جمالها في هذا القمار أو هذا السباق
ويتفق كثيراً أن يغلب الكيد الخلاعة، وأن تبقى بعد الخلاعة والكيد وشهوة الفوز والغلبة حصة صغيرة للجمال الصحيح
حيرك الله يا جمال كما أنت حيرة الناظرين والباحثين والمشترعين والمحصلين!
إذن لا ينفع الفلاسفة ولا ينفع خبراء الفنون، ولا ينفع عشاق الحسان أو غير الحسان. . .