في اعتقادي أن هذا الرأي لا يستطيع أن يقاوم أبسط المناقشات
فلنفكر أولاً: ماذا يقصد المؤلف من تعبيرات (مذهب لويس الرابع عشر وأشباهه ومذهب عبد الحميد وأمثاله)؟ إن ذلك يظهر بوضوح في العبارات التي سبقت الفقرة الآنفة الذكر والتي تلتها. فقد قال المؤلف، قبل الفقرة المذكورة:(إن نظام الحكم المطلق عندنا في العصر الحديث كان متأثراً بنظام الحكم المطلق في أوربا قبل انتشار النظام الديمقراطي. . . وإن نظام الحكم المقيد عندنا كان متأثراً بنظم الحكم المقيد في أوربا أيضاً. . .)
كما قال بعد الفقرة المذكورة:(والذين أرادوا أن يحكموا مصر حكماً مقيداً بالعدل، دون أن يشركوا الشعب معهم في الحكم كانوا يتخذون لحكمهم قيوداً أوربية لا شرقية) لأنهم نقلوا نظم الإدارة والحكم من أوربا، (ولم يستمدوه مما كان مألوفاً عند ملوك المسلمين وخلفائهم في القرون الوسطى. . .)
بعد أن فهمنا بهذه الصورة ما يقصده المؤلف من هذه التعبيرات يقتضي أن نتوجه إليه بالأسئلة التالية:
هل يستطيع أن يدعي أن عبد الحميد لم يستند في حكمه واستبداده إلى نظم أوربية؟ وهل يستطيع أن يقول بأن بلاط القاهرة لم يتأثر ببلاط الآستانة؟
أما أنا فأستطيع أن أبرهن بكل سهولة أن حكم عبد الحميد أيضاً لم يكن من النوع الذي كان مألوفاً عند ملوك المسلمين وخلفائهم في القرون الوسطى)، وعلى أن استبداده أيضاً كان متأثراً إلى حد بعيد (بنظام الحكم المطلق في أوربا) كما أستطيع أن أبرهن على أن تأثيرات الآستانة في القاهرة كانت واضحة جداً.
. . . مع هذا أرى من الضروري أن أسأل: ما الفائدة من إثارة هذه المسائل في هذا المقام؟ وهل من علاقة منطقية وعلمية بينها، وبين المسألة الأصلية التي يعالجها المؤلف في الصفحات التي ذكرناها؟
هذه ثلاثة نماذج واضحة على (المباحث الاستطرادية) التي كثيراً ما يحشرها المؤلف بين مباحثه الأصلية، يورط نفسه من جرائها في أغلاط كبيرة. . .
من المعلوم أن (التفكير العلمي) يتطلب تحليل المسائل، وتجزئة المشاكل، ليسهل معالجة كل جزء منها على حدة. وأما الخطة التي يسير عليها الدكتور طه حسين في أبحاثه هذه -