في أكثر الأحيان - فمعكوسة لذلك تماماً: لأنه كثيراً ما يخلط المسائل بعضها ببعض، ويدخل بعضها في بعض، فيزيدها بذلك تعقيداً وإشكالاً. . . وكثيراً ما يحاول أن يبرهن على كل قضية بمجموعة قضايا أخرى أكثر حاجة إلى البحث والبرهنة من القضية الأصلية نفسها.
- ٣ -
بعد الانتقادات التي سردتها آنفاً، اعتراضاً على بعض الآراء التي دونها الدكتور طه حسين في الصفحات السبعين الأولى من كتابه، خلال درسه للمسألة المبحوث عنها - أعني مسألة العقل المصري، والعقل الأوربي - لابد لي من أن أنقل البحث إلى وجهة نظر أخرى، فأقول كلمة في بعض النقائص التي ألاحظها على بحوث المؤلف في هذا الباب، من جراء عدم التفاته إلى بعض الأمور المهمة، بالرغم من شدة علاقتها بالموضوع، وبالرغم من ضرورة ملاحظتها لإتمام بحث المسألة من جميع وجوهها.
لا شك في أن الطريقة المثلى لدرس مثل هذه المسائل درساً علمياً، وحلها حلاً منطقياً، هي طريقة الاستقراء والمقارنة: إجراء مقارنة مباشرة بين الشرق والغرب - بين مصر وأوربا -، من حيث العقل والثقافة والطبع والمزاج، واستعراض الفروق والمشابهات التي تتجلى بينهما من هذه الوجوه المختلفة؛ ثم البحث عن جوهرية وعدم جوهرية الفروق المذكورة، وذلك على أساس مقارنتها بالفروق التي تلاحظ بين الأمم الأوربية المختلفة من جهة وبين ماضي تلك الأمم وحاضرها من جهة أخرى. . .
إن الدكتور طه حسين بقي بعيداً عن هذه الطريقة من أول أبحاثه هذه إلى آخرها.
وقد نجم عن هذا الابتعاد نقصان خطيران:
أولاً: لم يلتفت المؤلف إلى أهم الفروق الموجودة بين الشرق والغرب، وهي التي تشاهد بينهما من وجهة نظم الأسرة وأوضاع المرأة، والأوصاف النفسية - الخلقية والعقلية - التي تتبع تلك النظم والأوضاع. . .
ثانياً: لم يذكر المؤلف شيئاً عن الآراء المستندة إلى الاختبارات العقلية ومقاييس الذكاء. . .
ومما يزيد في خطورة هذا النقص الأخير هو أن بعض هذه الآراء كانت حامت حول مصر مباشرة، واستندت إلى الاختبارات التي أجريت في مصر على جماعة من المصريين،