بمساعدة جماعة من كلية الآداب المصرية نفسها، كما سيظهر للقارئ من التفاصيل التالية:
كانت الحكومة المصرية قد استدعت الدكتور كلاباريد - أستاذ علم النفس في جامعة جنيف، وأحد أساطين هذا العلم في العالم - قبل نحو عشر سنوات؛ وطلبت منه أن يدرس المدارس المصرية، ويبدي لها آراءه في بعض المسائل المتعلقة بوجوه إصلاحها. فأراد الأستاذ المشار إليه أن يستفيد من وجوده في مصر لهذا الغرض، لدرس (العقل المصري) درساً علمياً. وقام بسلسلة اختبارات عقلية بمساعدة جماعة من المعلمين والطلبة؛ وتوصل من اختباراته هذه إلى نتيجة تستلفت الأنظار: فقد لاحظ أن معادل الذكاء في مصر يكون سويَّا عند الصغار؛ غير أنه يأخذ في التأخر والهبوط عن المستوى الطبيعي المعروف في أوربا بسرعة غريبة بعد سن الطفولة. . . اهتم الدكتور كلاباريد بهذه النتيجة وأعلم بها زملاءه في معهد جان جاك روسو في جنيف قبل أن ينتهي من مهمته في مصر؛ وهؤلاء نشروا رسالته هذه في مجلة (المربي) التي تصدر في لوزان. . . هذه المسألة عكست بعد مدة على الصحافة المصرية فنشرت مجلة الهلال مقالة لأحد الأساتذة يشرح فيها الاختبارات المبحوث عنها ويحاول تعليل النتيجة المذكورة بفرضية يراها (الدكتور منصور فهمي - الهلال ديسمبر سنة ١٩٢٩)
أفليس من الغريب ألا نجد أية إشارة كانت إلى هذه المباحث في كتاب الدكتور طه حسين بين صحائفه الكثيرة المخصصة لدرس مسألة (وجود وعدم وجود فرق جوهري بين العقل المصري والعقل الأوربي)؟ يتطرف الدكتور في كتابه هذا - خلال بحث هذه المسألة - إلى أمور متنوعة جداً. . . في مباحث التاريخ القديم إلى مسائل السياسة والدين. . من ثقافة الصين إلى مدرسة الإسكندرية. . . من حكم لويس الرابع عشر إلى استبداد عبد الحميد. . . من أسباب انحلال الدولة الإسلامية في القرون الوسطى إلى أساليب الحكم المقيد في مصر. . . من تأثير الديانة المسيحية في تكوين العقلية الأوربية إلى نظر الإسلام إلى المسيحية. . . من انقطاع التجارة بين الشرق والغرب في القرون الوسطى إلى دخول الراديو إلى الأزهر الشريف في العصر الحاضر. . . يتطرف الدكتور إلى مسائل لا تعد ولا تحصى. . . ولا يشير إلى البحث العلمي الذي ذكرناه آنفاً مع أنه يتعلق بموضوع درسه مباشرة!