الشاعر بأقوى مظاهر الطبيعة وهو الجمال يوجه إحساسهم إلى مختلف الأغراض
ومثل الشاعر في ذلك مثل المغني. فالمغني يجلس في هدوء ثم تصدح حوله الموسيقا بأصوات مختلفات، ويظل كذلك إلى أن يستيقظ ما كان غفا من أحلام القلب والروح فينطلق في النشيد
وكذلك كان شعراء العرب: كانوا يهيمون بالرياض الحالية، أو الديار العافية، أو المياه الجارية، قبل أن يشرعوا في نظم القصائد. فإذا أخذوا في النظم بدءوا بالجوانب الدقيقة من ذوات أنفسهم وقلوبهم ليواجهوا الأغراض المنشودة وهم في فورة من طغيان العواطف وعنفوان الأحاسيس
ألا يشهد ذلك بأن شعراء العرب كانوا يدركون قيمة الطبيعة في إذكاء الأرواح وإرهاف القلوب؟
وهل فكر أحمد أمين في شيء من ذلك؟
هل خطر في باله أن شعراء العرب في الأعصر الخالية كانوا تعلقوا أشد التعلق بالسياحات والرحلات حتى صار من النادر أن يقر شاعر في بلده إلى أن يموت؟
قد يقال إن ذلك كان سعياً في طلب الرزق
ونجيب بأن الشعراء كانت لهم غايات أعظم من طلب الرزق، فقد كانوا يستأنسون بالبلاد والبحار والأنهار والجبال حتى ليمكن القول بأن دواوينهم في بعض مناحيها تشبه الخرائط الجغرافية. وهل نسيتم قصيدة المتنبي في شعب بوان؟ هل نسيتم قصيدة البحتري في إيوان كسرى؟ هل نسيتم قصائد الأندلسيين في أهرام مصر؟ هل نسيتم قصائد الشريف الرضي في أطلال الحيرة؟ هل نسيتم قصيدة الأنطاكي في ليالي الجزيرة والنيل؟ هل نسيتم ألوف القصائد التي سجلت أهواء الشعراء في الحنين إلى معاهد الأنس والوصال؟
لقد هجر ابن زريق وطنه في طلب الرزق، فهل عرفتم كيف اكتوى بالتشوق إليه يوم مات؟
إن الذي يحكم بأن شعراء العرب لم يحسوا الطبيعة ولم يتغنوا بأفانين الوجود لا يكون إلا رجلاً حرمه الله نعمة الفهم العميق لأسرار الشعر والبيان
لقد أراد الأستاذ أحمد أمين أن يحكم بأن الشعراء في العصر الأموي والعباسي قلدوا شعراء