للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجاهلية في وصف الرسوم والطلول

فهل نستطيع أن ندله على أن هيام أولئك الشعراء بوصف الرسوم الهوامد، والطلول العافية، ليس إلا تعلقاً بالطبيعة في جانبها الباكي الحزين؟

إن صديقنا أحمد أمين لم يفهم كيف وقف أبو نواس على الطلول، بعد أن سخر ممن يقفون على الطلول وهو يرى ذلك رجعة إلى التقاليد الجاهلية. فهل يظن أن الطلول كانت انقرضت لعهد أبي نواس ولم يبق إلا العمران الباقي على الزمان؟

فما رأيه إذا حدثته بأن صور الطلول لا تزال باقية إلى اليوم!

أشهد صادقاً أني ما مررت بشارع الرملة في مصر الجديدة إلا خفق القلب لرسم كان لي فيه صديق أضاعه القلم الجموح

أشهد صادقاً أني أتلفت من حين إلى حين وأنا أخترق شوارع مصر الجديدة عساني أرى الصديق الذي كنت أسايره لحظات أو ساعات ونحن نتعقب بالنقد اللاذع أحوال الدنيا والناس

فكيف يكون حالي لو نظمت قصيدة في التوجع لتلك الدار التي صارت رسماً بعد أن صنعت في تجريح صاحبها ما صنعت؟

وهل يمكن القول بأن ابن المعتز كان يقلد شعراء الجاهلية حين قال:

لا مثل منزلة الدويرة منزلٌ ... يا دار جادك وابل وسقاكِ

بؤساً لدهر غيرتكِ صروفه ... لم يمح من قلبي الهوى ومحاك

لم يحل للعينين بعدك منظرٌ ... ذُمّ المنازل كلهن سواك

أي المعاهد منك أندب طيبهُ ... ممساك بالآصال أم مغداك

أم برد ظلك ذي الغصون وذي الجنى ... أم أرضك الميثاء أم رياكِ

وكأنما سُعطت مجامر عنبر ... أو فُتّ فار المسك فوق ثراك

وكأنما حصباء أرضك جوهرٌ ... وكأن ماء الورد دمع نداك

وكأن درعاً مفرغاً من فضة ... ماء الغدير جرت عليه صباكِ

وقد ترجمت هذه الأبيات إلى الفرنسية في النسخة الفرنسية من كتاب النثر الفني فعدّها الفرنسيون من أصدق ما تحدثت به القلوب

<<  <  ج:
ص:  >  >>