فهل يرى صديقنا أحمد أمين أن هذه القصيدة لا تمثل إحساس الشعراء بالوجود؟
وهل يمكن الشك في قول ابن سنان الخفاجي:
ولما وقفنا بالديار وعندنا ... مدامع نسديها لكم ونثيرها
شكونا إليها ما لقينا من الضنى ... فعرفَّنا كيف السقام دثورها
وقد درست إلا أمارة ذاكر ... تلوح له بعد التمادي سطورها
خليليّ قد عمَّ الأسى وتقاسمت ... فنون البلى عشاق ليلى ودورها
فلا دار إلا دمنة ورسومها ... ولا نفس إلا لوعةٌ وزفيرها
لعمر الليالي ما حمدت قديمها ... فيوحشني ذهابها ومرورها
وقالوا عطاء الدهر يبلى جديده ... ومن لي بدنيا لا يزول سرورها
فهذا شاعر لا يكتفي بأن يقول إنه يحسّ الطبيعة، وإنما يؤكد أن الطبيعة توجعت لمن يهواه، وذلك غاية الغايات في الإحساس بالوجود
وكذلك صنع الشاعر الذي قال:
تعفو المنازل إن نأوا ... عنها وتغبرّ البلادُ
والحيُّ أولى بالبلى ... شوقاً إذا بلى الجمادُ
فمن الذي يستطيع أن يحكم بعد هذه الشواهد بأن شعراء العرب لم يحسوا معاني الوجود؟ ومن الذي ينكر صدق اللوعة على ابن الخياط إذ يقول:
وقفت أداري الوجد خوف مدامع ... تبيح من السر الممنَّع ما أحمي
أغالب بالشك اليقين صبابةً ... وأدفع من صدر الحقيقة بالوهم
فلما أبي إلا البكاء لِيَ الأسى ... بكيتُ فما أبقيتُ للرسم من رسم
كأني بأجزاع النقيبةُ مُسْلمُ ... إلى ثائر لا يعرف الصفح عن جُرم
لقد وجدت وجدي الديار بأهلها ... ولو لم تجد وجدي لما سقمت سقمي
عليهنّ وسمٌ للفراق وإنما ... عليّ له ما ليس للنار من وسم
وكم قسمَّ البين الضنى بين منزل ... وبيني ولكن الهوى جائر القسم
منازلُ أدراسٌ شجاني نحولها ... فهلاّ شجاها ناحل القلب والجسم؟
فما رأي الأستاذ أحمد أمين في هذا الشعر النفيس؟ وهل خطر في باله أن شعراء العرب