للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأدب الجاهلي على أدب العصر الحاضر. فقد كان الجواد عند العربي بمثابة الأسطول والطيارة في العصور الحاضرة. فإذا وجد الآن شاعر في إنكلترا يباهي بالأسطول ويصفه ويتغنى بمحاسنه فلا غضاضة عليه في ذلك؛ وإذا وجد شاعر في مصر يتغنى بالدبابات الجديدة والطيارات ذات الأزيز المثير للدوافع الوطنية فهو شاعر حقاً، كما كان العربي شاعراً في وصفه الجواد وحبه إياه وقد شاركه في أخطار الموت ودخل وإياه الدول المفتوحة وجرح وإياه في الميدان، ولكن ما بال الشاعر المصري العصري يركب السيارة ويأنف من ركوب الجواد ثم يتغنى بذكر الخيل؟ وما له يذكر الرهان والسباق وهو لم يعالجهما قط، وإنما يجعل منهما وسيلة لذكر الخيل لأن العرب كانوا يذكرونها - أليس هذا مما جناه الأدب الجاهلي على أدب العصر الحاضر؟

حدثنا الأستاذ أحمد الشايب قال: لما سمعت رأي الأستاذ أحمد أمين في السيارة والجواد نظمت قصيدة أتغنى فيها بعربة (ناش) التي اشتريتها حديثاً وأنكرت ما كنت أنظمه عن الخيول التي لم أركبها قط. ومن قولي في تلك القصيدة:

صوت

ألثمانون سرعة (الفُردِ) فاذرع ... بي عرض البلاد يا ناش وثبا

أطلقت قيدها الفرامل وانسا ... ب بي (الناش) ينهب الأرض نهبا

حدثنا الدكتور زكي مبارك قال: ما رأى الناس قط تعسفاً مثل هذا. فالخيل ما تزال من عدة الحروب. وما أنكر على شاعر أن يصف ما يراه من المخترعات الحديثة، ولكن كيف جاز للمؤمنين أن يحرموا على أنفسهم ما أحله الله لهم؟ وكيف يزعم الزاعمون أن الخيل قد زالت محبتها فيجب أن يزول التغني بها؟ إن ميادين السباق في الحواضر تستنفد من الثروة ما يكفي لبناء أسطول. هذا في الحواضر وما يزال في الريف من يباهون باقتناء الخيول ويعدونها من علائم الأصالة والنبالة. وقد كان عندي جواد في سنتريس اعتدت ركوبه كلما طفت بمنازل الصبايا. وبارك الله في صبايا سنتريس! لقد أنكرت الوجاهة منذ كففت عن ركوب الجياد واستبدلت بها الطيارة والسيارة. ثم ما لهذا كله وما لأبيات الجارم بك؟ إن تربية الخيل ضرب من الفروسية التي يجب الاحتفاظ بها في كل مكان وكل زمان، وهي تقليد من تقاليد الخلفاء. وقد قال الوليد بن يزيد:

<<  <  ج:
ص:  >  >>