للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإني لأحس من قراءة ما كتبه بلنت عن مقابلته لجرانفل وغلادستون أنهما كانا ينظران إليه نظرتهما إلى غر لا يفهم ما يجب أن يسير عليه الإنجليزي في معاملة الشعوب الشرقية أو إلى ناشئ في السياسة لا يدري أن الكلام شيء والخطط المرسومة شيء آخر. ولقد علق كرومر في كتابه على مساعي مستر بلنت فقال: (ومن هؤلاء الذين عطفوا على القضية نرى أبرزهم هو مستر ولفرد بلنت ولقد عاش مستر بلنت زمناً بين المسلمين وكانت له لذة شديدة في كل شيء يتصل بهم وبدينهم؛ ويظهر أنه كان يعتقد في إمكان إحياء الإسلام على قواعده الأصلية وقد تصادف أن كان في مصر في شتاء عام ١٨٨١ - ٨٢؛ فألقى بنفسه بكل ما تبعثه الطبيعة الشاعرية من حماسة في جانب القضية العرابية وأصبح مرشدها وفيلسوفها كما أصبح الصديق لعرابي وأتباعه؛ ورأى مستر بلنت أنه كان يعني بحركة هي إلى حد معين حركة قومية بلا نزاع؛ وفشل في أن يفهم فهماً كافياً تلك الحقيقة وهي أن سيادة الحزب العسكري كان فيها القضاء على العنصر القومي في الحركة! وكان في وقت ما يعمل وسيطاً بين السير ادوارد مالت والقوميين

ولكن هذا الاختيار لم يكن موفقاً؛ لأنه يتبين بأجلى وضوح مما ذكره بلنت في كتابه عن مساعيه أنه فيما عدا بعض المعرفة باللغة العربية لم يكن على شيء من الصفات اللازمة لتحقيق النجاح في مسألة لها ما لهذه المسألة من صعوبة ودقة. ولقد نصح القوميين أن يعنوا بالجيش وإلا غالتهم أوربا، وكان يعني النصيحة بلا ريب ولكنها كانت في غير وقتها كما كانت خبيثة، فلئن كان ثمة من خطر من جهة الغزو الأوربي فإن موطن هذا الخطر كان في انضمام الحزبين الوطني والعسكري أكثر مما كان في انفصالهما؛ ولقد كان من السهل على السياسي المجرب أن يدرك هذا، ولم يكن للمستر بلنت تجربة سياسية ذات قيمة ما وإنما كان رجلاً متحمساً يحلم أحلاماً عن يوتوبيا عربية)

هذا هو ما يراه كرومر في بلنت. وليس عجيباً أن يكون هذا رأي كرومر وهو من أساطين الاستعمار في رجل كمستر بلنت كان بلا ريب من كبار الأحرار؛ وإنما أوردنا رأي كرومر هذا لأنه يكشف عن جانب من أساليب المستعمرين الإنجليز في محاولة طمس الحقائق في سبيل الوصول إلى ما يطمعون فيه من أغراض؛ وهو من ناحية أخرى يشف عما كان يمكن أن يقابل به مسعى رجل مثل مستر بلنت في دوننج ستريت إبان تلك الأزمة التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>