أطماعهم حتى لقد صور عرابي زعيم الحركة الوطنية صوراً بلغت أقصى حدود الغرابة، فهو تارة رئيس عصابة من المتمردين الخوارج على القانون والنظام، وهو طوراً داعية إسماعيل اشتراه بالمال ليعمل على إعادته إلى مصر، وهو بالإضافة عند بعض الإنجليز فرنسي أو أسباني في زي مصري، إلى غير ذلك من الأقاويل التي لا ندري أنقابلها بالألم أم بالسخرية
وانطلقت الصحف تذيع في الناس الأكاذيب في غير حياء أو فتور وليس لمصر لسان يدافع عنها إلا لسان مستر بلنت فلقد سافر هذا الرجل الحر ليقابل كل من لهم صلة بالمسألة المصرية ليريهم وجه الحق في هذه القضية وليصحح ما جاز على عقول الساسة من خدع
ولقد قابل مستر بلنت جماعة من النواب ومن رجال المال وما زال يسعى حتى ظفر بمقابلة جرانفل فتحدث إليه بما لديه من المعلومات ودافع عن قضية الأحرار في مصر بكل ما وسعه من وسائل الدفاع. ولكن شد ما كانت دهشته عندما انطلق جرانفل نفسه يخبره أن لديه من المعلومات الأكيدة ما يؤيد أن عرابياً ما هو إلا صنيعة إسماعيل وأن المسألة من أولها إلى آخرها ما هي إلا سلسلة من الدسائس لإرجاع الخديو السابق إلى عرشه!
وعول بلنت بعد ذلك على مقابلة غلادستون وقد كانت شهرته قائمة على أساس ميله إلى الحرية، والأخذ بيد الشرقيين جميعاً لينهضوا من سباتهم، فلما مثل بلنت بين يديه اندفع يتحدث عن الحركة الوطنية في مصر في طلاقة وحماسة، وظل غلادستون صامتاً ينصت إليه كأنه مقبل عليه مؤمن بما يقول مقدره حق قدره يقول مستر بلنت:(ثم سألني عن موقف الجيش والسبب في ظهوره في المسائل الوطنية؛ فإنه توجس من هذا الظهور فأوضحت له تاريخ الحركة وأكدت له أن ما قيل عن تدخل الجنود قد بولغ فيه، وأن تلك الرواية القائلة بأن الجنود كانوا يتوعدون النواب ويرهبونهم من الروايات المختلفة وقلت له إن الاستعدادات الحربية الحاضرة ليس لها من غرض سوى الخوف من الاعتداء والتدخل).
ولكن ماذا كان ينتظره بلنت من جرانفل وغلادستون، ولم تكن المسألة مسألة إقناع وحجة؟ ماذا كان يأمل بلنت ولم تكن المسألة ماذا يجب أن يعمل، وإنما كانت متى ينفذ ما انعقدت النية عليه؟