للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البقاء، وطمعا في لقيا الاعزاء، وذرعاً من الفناء. ولا بدع أن نراه يعتبر تعليل الظواهر بالأرواح عجزاً عن التعليل، ويفضل عليه أن تبقى الظواهر بلا تعليل.

هذا الموقف السلبي تراه كثرة المفكرين هو الجدير بالروح العلمية الصحيحة، التي لا تعرف الآمال ولا المخاوف. ولكن بعض المفكرين يرونه تطرفا وتنعتا. لأن الروح العلمية التي لا تعرف الآمال والمخاوف، لا تعرف أيضا البغض والحب. يجب أن نستمع لكل رأي مهما كان بغيضا. وأن لا نرفض الاشتراك في تجارب تجري إلى النمط العلمي مهما بدا موضوعها سخيفا والأمل في جدواها ضعيفا. إذا لم نفعل ذلك فنحن كالذين رفضوا النظر في تلسكوب غاليلو (سر الفر جوزيف لدج) أستاذ إنجليزي في علم الطبيعة، وشخصية علمية عالمية فذة. نيف اليوم على الثمانين من عمره، ولا يزال نشيطا عاكفا على البحث العلمي في معامله. كان أستاذا بجامعة ليفربول، ثم قضى حقبة طويلة مديراً لجامعة برمنجهام. وكان رئيسا للمجمع العلمي البريطاني، ولجمعية رنتجن، ولجمعية الطبيعة، ولجمعية الراديو. ولديه من ألقاب الشرف العلمية الشيء الكثير. وله فضل معروف في تحقيق التخاطب اللاسلكي ويعتبر دائما حجة في كل ما له علاقة بالأثير

لم تقتصر جهود هذا العلم الكبير على الطبيعة، بل امتدت إلى ما فوق الطبيعة. والذي دفعه إلى هذه المخاطرة العلمية أمران: أحدهما بحوثه في الأثير، التي أوصلته إلى أن الأثير هو الحقيقة الأساسية في العالم المادي، وانه الوسط الشامل، وان منه تصاغ المادة نفسها. ثم نظر فرأى الأثير الجزء الأهم في كياننا الجثماني نفسه. أليس الجسم البشري ككل جسم مادي يتألف من كهارب دقيقة بينها فراغ شاسع بالسبة لحجومها المتناهية في الصغر؟ أليس الجزء الأكبر من الجسم البشري فراغا يملؤه الأثير؟ هذا الأثير إذن هو الثوب الحقيقي لعنصر الحياة الذي يميزنا من الجماد والذي نسميه الروح. أما الذرات المادية فهي مجرد آلة تمكننا من العيش برهة في عالم المادة. أن الدقائق المادية نفسها لا تتلامس قط بل يوجد بينها دائما فراغ يملؤه الأثير. فنحن إذن لا نمس شئ إلا عن طريق الأثير. ولا نسمع شيئا إلا بتوسط الأثير. ولا نرى شيئا إلا باستخدام الأثير. والتفكير وكل الظواهر العقلية والنفسية لا شأن لها البتة بالذرات المادية. بل تنشأ أول في الأثير المتخلل لأجسامنا. وهذا الأثير بكيفية مجهولة يحرك ذرات المادة التي تتألف منها أعضاؤنا الظاهرة. فننسب نحن

<<  <  ج:
ص:  >  >>