كل شئ لذرات المادة وننسى الأثير الرابط لها والضابط لكل ما تأتيه من حركات.
هل يتحتم إذن أن يكون موت الفرد زوال كل أثر لذاتيته من الوجود؟ إذا كانت الحياة من خواص الأثير الجثماني فهناك كل أمل في بقائها بعد الممات. إذ قد علمتنا دروس الطبيعة أن الظواهر الأثيرية تبقى ما بقى الدهر، ولا نتشتت أيدي سبا، شأن ذرات الجسم المادي. الموت إذن هو طرح ذرات المادة والعيش بعد ذلك في ثوب الأثير الجثماني، وفي عالم أثيري لا يحجبه عن حواسنا الحاضرة إلا عجز تلك الحواس وقصورها. لقد كشف العلم عن ظواهر أثيرية لم تكن من قبل محسوسة، مثل الإشاعة الخارجة عن حدود المنظور، فلم نستنكر أن يكشف العلم عن حياة في الأثير؟
هذا ما يقوله (لدج). وظاهر أنه رأي فلسفي أكثر منه عمل علمي. وإذا كانت هذه هي كل حجته فقد أتى بغير جديد. إذ النقاش الفلسفي في المادة والروح والفناء والخلود فاضت به الكتب وكاد يصبح مفروغا منه. لذا لا نرى التبسط في حجته هذه رغم ما تستحقه من تقدير. وننتقل إلى اتصاله الفعلي بتلك الكائنات الأثيرية وكيف أمكن أن يكون.
وضع (لدج) كتابا اسماه (كيف ثبت في خلود النفس البشرية) مهد له بما يأتي: -
(القول بخلود النفس البشرية بعد الممات، وبأن الموت طرح للجسد المادي ليس غير، هو قول قديم، وجد منذ وجد البشر. أما الحجج التي تؤيد هذا القول فبعضها ديني قائم على التسليم بوجود خالق رحيم عاقل، وبعضها حيواني يرجع إلى نفور النفس الغريزي من فكرة الانعدام، والقول بأن الغرائز البشرية تنم حتما عن حقائق واقعة. أني في هذا الكتاب لا أعتمد على أحد هذين النوعين من الحجج، وأن كنت أحترمهما وأقدرهما قدرهما. بل لست أنوي أن أحاج أو أجادل، فنظريتي قائمة على أساس من الاختبار الفعلي، وعلى قبول طائفة من ظواهر يمكن لكل إنسان أن يشاهدها بنفسه إذا تجشم عناء التجريب. إني أعرف خطورة كلمة (حقيقة) من الوجهة العلمية، ومع ذلك أقول دون أدنى تردد أن بقاء ذاتية الفرد بعد الموت هو عندي حقيقة قام عليها الدليل الحسي. لقد وصلت إلى هذا اليقين بدراسة خصائص نفسية غامضة لم يلتفت إليها العلم حتى الآن، ولا يرتاح لها فيما أظن رجال الدين. لذا أرى لزامنا على أن أذيع من آن لآن ما يبرر مثابرتي على هذه البحوث ويعبر عن اقتناعي التام بصحة ما وصلت إليه.