يقول علم النفس الحديث إن الحاجة إلى الحب هي في الحقيقة حاجة إلى حماية الآخرين ومساعدتهم
فالأسماك لا تعرف الحب. فإذا خرجت السمكة إلى عالم الوجود، لا تعرفها أمها ولا يحفل بها أبوها، وقد تفصلهما عنها أميال شاسعة. فالسمكة الصغيرة لا تعرف حماية الوالدين على الإطلاق، وحياتها معلقة على المصادفة والجهد المستقل
ولكن الطفل من بني الإنسان على نقيض ذلك. فيولد عاجزاً كل العجز، ولن يبلغ أشده إلا إذا لاقى عناية خاصة، ممن يهمهم أمره. فالطفل إما أن يجد الحب وإما أن يموت
وهذا الحب الفطري لا تقابله منفعة خاصة للغير. فالطفل يلاقي العناية الفائقة من أمه أو مربيته أو من يضطلع بأمره ولا يجازيهم على ذلك أي جزاء، ولا ينتظر أحد منه شيئاً من الجزاء لأنه لا يقدر عليه
إلا أن هذا الموقف لا يستمر على الدوام، فإذا رأينا إنساناً في سن الرجولة يأخذ من الناس ولا يعطيهم مقابل ما ينال منهم، فإننا نعده إنساناً ما زال في دور حب الطفولة. وننتظر أن ينمو بدوره ويتقدم إلى المرتبة التي يتحمل فيها مسئولية حب شخص آخر يحتاج إلى رعاية بغير أمل في جزائه
وبمعنى آخر إن كل إنسان يجب أن يعبر الطريق الذي ينال فيه كل شيء ولا يعطي مقابله أي شيء، إلى الطريق الذي يعطي فيه كل شيء ولا ينال شيئاً. ولا يعد هذا العمل فضيلة بأي حال فهو ضرورية حيوية ورثها الإنسان منذ ظهر في هذا الوجود
وليس في أنانية الطفل مأخذ عليه، فكأنه بعمله يقول: إنه عاجز وإنه عالة على محبة الآخرين وإنه يجب أن يأخذ منهم وإنه لا يستطيع الجزاء
فإذا لم يكن لدى الطفل الفرصة التي تخرجه من أحضان أمه إلى دائرة أكثر حرية واتساعاً، فقد تفوته فرصة التقدم من الرتبة التي يتلقى فيها الحب، ولكن الأمر على خلاف ذلك، فلا بد أن يتصل باخوته وغيرهم من الأطفال المقاربين له في السن؛ وهم مثله لم يتقدموا عن المرتبة التي يتلقون فيها حب الأباء والأمهات، ولا تقل أنانيتهم عن الأنانية التي يستمتع بها. فإذا اجتمع لفيف من الأطفال على هذا النحو فإن الاختلاف سرعان ما يدب بينهم إذ أن كل طفل مولع بنفسه مؤثر إرادته على إرادة الآخرين. إلا أن الألعاب