للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خطر لهؤلاء أن يتعمقوا هذه الخصومة لعرفوا أن موضوعها (لم يكن ضرورة هاتين اللغتين للثقافة والحضارة، وإنما كان ضرورة فرضهما على جميع التلاميذ الذين يختلفون إلى المدارس الثانوية ويتصلون بالتعليم العالي على اختلاف فروعه وألوانه لا سيما بعد أن انتشر التعليم وطمعت فيه الطبقات كلها طبقات الأغنياء والفقراء وأوساط الناس. .) (ص ٢٨٥).

يحاول الدكتور أن يصحح مزاعم هؤلاء فيؤكد أن (موضوع الخصومة كان في حقيقة الأمر هذه المسألة: أيجب أن يتهيأ الناس جميعا للعلم والتخصص ليصبحوا جميعاً قادة للرأي ومديرين للأمور العامة، أم يجب أن يتهيأ بعضهم لحياة العلم والتخصص، وأن يتهيأ أكثرهم للحياة العاملة التي تيسر لهم الاضطراب في طلب الرزق وكسب القوت؟ فإن تكن الأولى فلا بد من اللاتينية واليونانية لأنهما أساس من أسس العلم والتخصص؛ وإن تكن الثانية فكثرة الناس محتاجة إلى التعليم الفني من جهة، وإلى التعليم العام الحديث الذي يعرض عن اللاتينية واليونانية إلى اللغات الحية والعلوم التجريبية، بشرط أن تظل اللاتينية واليونانية مفروضتين على كل من يريد العلم الخالص والتخصص فيه. . .) (ص٢٨٥ - ٢٨٦).

مع هذا، يلاحظ الدكتور طه حسين - في محل آخر من كلامه - أن المقاومة التي تلقاها اللاتينية واليونانية في مصر، لا تنحصر في دوائر المعارف، بل تشمل معاشر المثقفين بأجمعها. . إنه يلاحظ ذلك أيضا، ويعلله (بالعادة لا أكثر ولا أقل) إذ يقول: (انهم لم يتعلموا اللاتينية واليونانية، ولم يسمعوا بهما أثناء اختلافهم إلى المدارس العامة؛ وقد رأوا مصر تعيش عيشتها الحديثة من غير هاتين اللغتين، فلم يترددوا فيما انتهوا إليه من الاقتناع بأن تعليم هاتين اللغتين تزيُّد لا حاجة إليه ولغو لا خير فيه. . .) (ص٢٩١).

وبعد ذلك، يكرر المؤلف دعوته إلى العناية بهاتين اللغتين اعتبارا من الدراسة الثانوية؛ فيقترح تنويع التعليم الثانوي إلى ثلاثة أنواع، على أن يستند النوع الواحد منها إلى تعليم اللغات القديمة. يفرض فيه (على الطالب درس اللاتينية ولغة أجنبية حية، ويترك له الخيار بين اللغة اليونانية ولغة أوربية أخرى) ويحتم الانتساب إلى هذا الفرع على (كل من أراد أن يهيئ نفسه بعد الثقافة العامة للدراسات الأدبية المختلفة) بما فيها الفلسفة والتاريخ

<<  <  ج:
ص:  >  >>