بعث محمد لكي يهدمه؟ ولقد تلقينا الشعر الجاهلي لغة لها أسلوب يجب أن نرضاه؛ وفيها معان قصارى الرأي فيها أنها وليدة أفكار ومبادئ، وليس بالمقبول ولا المعقول أن تكون هذه المعاني خالية من الفساد وإلا فلماذا نشأ الدين؟ وما جدوى الحياة الإنسانية إن كانت هذه الآراء وتلك المبادئ لا تزال صالحة بعد خمسة عشر قرنا من الزمان؟ إنه ينبغي على من يعلم النشء لغة الجاهلية أن يحذرهم من قبول الفكرة الجاهلية فإن التكرار مع الاستحسان يورث العادة، وليس كذلك التكرار مع الاستهجان. وإني لأعجب من معلم للغة العربية يعلم تلاميذه قول الشاعر الجاهلي
نسوق النساء عوذها وعشارها
ثم لا يقول لهم إن لغة هذا الشاعر سليمة ولكنه من حيث الأخلاق لا يمتاز شيئا عن البهائم. وإني لأعجب من معلم للغة العربية لا يقول لتلاميذه إن امرأ القيس وإن كان عبقرية معجزة في فنه فإنه كان في آرائه وشعوره نحو النساء كأي حمار في الطريق؛ وإن غزله لا يختلف شيئا عن النهيق وإن لنا منه اللغة. أما الشعور الإنساني الصحيح ففي قول الشاعر
وكم للغواني من يد قد جحدتها ... وشكر أيادي الغانيات جحودها
وقال الدكتور طه حسين إن إنكارنا للأدب الجاهلي لا يتنافى مع صحة الرأي الذي تحدث به هيكل باشا، فإن الذين لفقوا الشعر الجاهلي إنما لاحظوا طبائع الجاهلية وسجاياها.
وحدثنا الدكتور زكي مبارك قال: إن أبا الفرج الإسكندراني رجل منافق في علاقته النسوية ومثله في ذلك كمثل الأبيوردي سواء بسواء. وأنا لا أقول كما يقول الأبيوردي
وكم للغواني من يد جحدتها ... وشكر أيادي الغانيات جحودها
ولكنني أقول إن صبايا سنتريس سيقتل بعضهن بعضا غيرة علي وأقول كما يقول أبو نواس الذي لم يكن بالجاهلي: