يعيش الفرد تحت تأثيرها تعينان نوع الأفعال الصادرة عن الإنسان؛ وبأي معنى من المعاني يعتبر المرء حرا على هذا الأساس. وعلى أية فسواء اتفق الأخلاقيون في وجهات نظرهم إلى تلك المسألة أم اختلفوا فهم متفقون في الغرض، وهو إصلاح المجتمع وتهذيبه.
أما رجال الدين والكلاميون من المسلمين فقد خاضوا فيها وكان همهم الأول البرهنة على أن الإنسان إما خالق لأفعاله فهو مسئول عنها أمام الله في القيامة، ويحق عليه الجزاء ثوابا وعقابا؛ أو أن الإنسان وأفعاله من خلق الله فلا يكون ثمة حساب أو عقاب؛ وهمهم الثاني هو البحث في معرفة الله لما يحدث: أهي قبل الحدث أم بعده.
والكلام في القدر لم ينشأ إلا في الشام والبحرين على خلاف في اسبق القطرين إلى الخوض فيه. ثم إنه نشأ دخيلا على الإسلام: أعني أن أول من تكلم فيه كان نصرانيا وأسلم ثم تنصر، وأخذ عنه معبد الجهني وغيلان الدمشقي. كان هذا بدء الكلام في القدر. وقد أتاحت الخلافات السياسية حول الخلافة لهذه الأبحاث أن تروج وتتضخم، وأن تنقسم وتتكاثر. فإن الخلافة كانت مصدر القلاقل والفتن في أيام الخلفاء الراشدين، وإن الفتن أنتجت شيعة وخوارج ومرجئة ومعتزلة وأزارقة وأشاعرة إلى غير هذه الفرق التي تختلف فيما بينها بالرأي في الخلافة والخليفة غالباً. والذي يعنينا هنا فرقتان من هذه الفرق العديدة: المعتزلة، والجهمية. فقد كانت آراؤهما أروج الآراء انتشاراً في هذا الباب.
أما الجهمية فقد كانت تقول بالجبرية المطلقة أي إن الإنسان كالجماد وأن الله يخلق فيه الأفعال كما يخلقها في الجماد، ويجبر عليه الحساب ثوابا وعقابا.
أما المعتزلة فقد تكونت على أثر خلاف في مرتكب الكبيرة اهو كافر خالد في النار. وقد قالوا بأن الله لا يخلق أفعال الناس بل هم يخلقونها، وبان الله لا صفات له غير ذاته. فشاركوا الجهمية في هذا الأصل، وقد أقروا بسلطة العقل وقدرته على الحكم بالحسن والقبح العقليين.
ولو كان الأمر في هذه الفرق قاصرا على حد الكلام والاستعانة بالفلسفة اليونانية وغيرها لما كان لها هذه الأهمية التي شغلتها. ذلك بأنها كانت تريد بسط تعاليمها على الواقع العملي. فالمعتزلة حين قرروا مبدأ حرية الإنسان كانوا يريدون من ذلك أن الناس مسؤولون عما يقومون به من حروب ومنازعات؛ وحين قرروا مبدأ السلطان العقلي كانوا يريدون