عقله استدرك وكر متراجعا في حيطة وحذر (فسُبحان الخالقِ غافِراً ومُعذِّباً، آلرّشدُ دفينٌ، أمْ أنا أفينٌ؟ قَدْ عشتُ زمناً فما رِشتُ، ابْرِكي يا مَطِيّة فهذا المناخُ).
ولعل عجزه عن أن يقيم أقضيه العقل على حكمة الله قد دفعه في يسير من وقت أن يقر الخيرة للإنسان. فنجده يمجد الله تعالى (مَنْ خارَ لِعبادِهَِ وهُمْ للخيرَةِ كارهون) ويسأل الإنسان متعجبا أن (ما يَمْنعكَ أنْ تَتَّخذَ الْقِسِيَّ وأنتَ في بِلادِ الضَّالِ)، ويحض المرء أن (دَعْ ما ضَرَ وصَعُبْ عَلَى مَا نَفَعَ وَهانَ، وَخلِّ ما غَمَرَ إلى ما غَمَّرَ واتركْ المِضلَّة إلَى المرشدةِ، فَإن طُرَقَ الخيرِ كثيرٌ) ولكننا سنرى المعري في كل الكتاب يقرر ويقرر (أنَّ رَبَّنَا المُوَفِّقَ لجَمِيعِ السَّدَادِ) وأنك (لَنْ تَقْضِيَ أَمْراً إلاّ بِالْقَضَاءِ).
وحيرته هذه ناشئة من طبيعة وسيلته إلى العلم. ذلك بأنه مؤمن بان العقل وحده هو الموصل إلى العلم، وهو واثق من أنه ما دام قد أوصله العقل إلى الطبيعة فلا بد أن يصل به إلى ما بعد الطبيعة. وهو مؤمن كذلك بان الله خلق هذا الكون عن حكمة.