للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تنحدر بنا عن الطريق، وتنزل هوة من دونها واد سحيق، فكادت تنخلع لرجاتها قلوبنا، وصاح الجميع، وارتطم هذا بذاك، وذاك بجانب من السيارة، ثم كانت صدمة عنيفة وفرقعة أصمت آذاننا، وإذا هي صخرة كبيرة ناتئة في منحدر الوادي توقف السيارة قبل أن تنقلب، وقد أصيب من الركاب كثير، ونالني من ذلك شج بين العينين سال منه الدم سيلاً وصدمة شديدة في الركبة اليمنى أحدثت بها كسرا لا أزال أعانيه، فقفزت من السيارة ونمت على الصخر تائها حتى الصباح فرأيت العجلة قد كسرت من أساسها، ولولا لطف الله لكنا اليوم في عالم غير الذي نحن فيه. أمضينا يوما كاملا في تلك البرية المقفرة ولم يكن لدى السائق ومعه بديل عما كسر، وكان قد رجع إلى طهران ثم عاد إلينا وأصلح ما أفسدت غفلته، واستأنفنا سيرنا شاكرين الله ان أنجانا من خطر الموت في بلك الناحية النائية وكم من سيارة خانها الحظ العاثر فهوت وهلك من ركابها الكثير في تلك الطرق الوعرة. ولقد عزا القوم سلامتنا إلى رضى الإمام عنا. وما كدنا نسير بعيداً حتى وفقت السيارة فجأة وتبين أن البنزين قد نفد، ولم يكن لدينا منه شيء، فلبثنا مكاننا حيارى ساخطين جزعين أربع ساعات حتى مرت بنا سيارة أخرى أعارتنا بعض البنزين والسيارات الكبيرة تمر تباعا ذهابا ورجعة في كثرة هائلة، تحمل جماهير الحجاج، ويقولون بان هذا الخط على وعورته أكثر الخطوط حركة في نقل المسافرين لأن (مشهد) خير لديهم من مكة المكرمة تغنيهم عن حج بيت الله الحرام في زعمهم فترى الفاني منهم والفقير المدقع يدخر أجر السفر ليصل إليها ويود لو يموت بها ليدفن في أرضها الطاهرة.

لبثنا نسير وسط الربى وصعدنا منها ما هو بالغ الوعورة في طرق لياتها متعاقبة، وكلها مجدبة عريت عن النبت إلا في بعض بطون من الأودية، حيث كنا نرى سيلا من الماء يتلوى وتقوم القرى على جوانبه بأبنيتها الوطيئة من اللبن والطين، وبعد يوم ونصف دخلنا سهولا غالبها صحراوي وتلك بداءة أرض خراسان.

استوقفت السيارة قليلا في قرية (نيسابور) مثوى رفات (عمر الخيام) الذي عاش في الربع الأخير من القرن الحادي عشر وأوصى ان يدفن في بقعة تظلها الأشجار ويكسوها ورقها الذابل مرتين كل عام. زرت مقبرته وسط الحقول، تظلها حقاً أدواح عالية قديمة، ويزورها من الأجانب خلق كثير لأنه قد خلد له ذكرا بما كتب في رباعياته التي ترجمها الناس إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>