للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جميع اللغات، ولقد أبى عليه علماء الدين تشييد مدفنه لاتهامهم إياه بالزندقة لأنه كان إباحيا في شعره.

عادت الربى فتسلقناها وأشرفنا على (مشهد) وهي في حجر الجبال بعد أن لبثنا في الطريق ثلاثة أيام وأربع ليال كاملات قاسينا خلالها كثيرا. هنا وقف السائق ونبه القوم أن هاهي مشهد فارقبوها تبركا فأخذوا يحاولون رؤية القبة الشريفة وسط الضباب والدخان المنبث وكل من لمح منها قبسا قرأ آيات التبرك وعمد إلى قطع الأحجار يجمعها في كومة، ثم أقبل على السائق يهبه من أنعامه ما تيسر.

دخلنا مشهد تحوطها المزارع والبساتين ثم أخذنا نخترق طرقا فسيحة يحفها الشجر وتقوم عليها المباني الحديثة الوطيئة، وقد كانت من قبل أزقة مختنقة كسائر بلاد فارس، لكن يد الإصلاح تناولتها اليوم على نحو ما فعلت في طهران، وقد استرعى نظري بناء القنصلية البريطانية بعظيم امتداده وهو أثر من آثار النفوذ الإنجليزي الذي كان يسيطر على البلاد بجانب النفوذ الروسي. حتى حدث مرة أن حاول بعض الناس أن يعلو ببناء بيته الملاصق لتلك الدار فمنعه القنصل إذ لا يجوز كشف حرمة الدار الإنجليزية أما اليوم فلا يكاد يكون لذاك النفوذ ظل أبداً.

قصدت زيارة ضريح الإمام الرضى، الذي بدت لنا قبته الذهبية البراقة من أميال، وإذا المسجد والحرم فاخران إلى حد كبير. مداخلهما عدة، الباب تلو أخيه في زخرف جذاب وفن شرقي بديع بالقيشاني والبلور والمرمر والرخام، وأمام كل واجهة رئيسية بهو مربع تحفه الحجرات المزركشة أقيمت لطلاب العلم في طابقين وتتوسطه قناة الماء يغترف منها الجميع للشر والغسل وتنظيف الملابس والأحذية ومآرب أخرى، والباب الرئيسي للضريح مكسو كله بالذهب الخالص في فجوات وتعاريج جذابة، وفوق الضريح قبة مكسوة بالذهب الخالص وللمسجد مئذنتان دقيقتان، عليهما غشاء من ذهب. أما عن العالم المتراص كالموج المرتطم هنا وهناك فحدث في دهشة فائقة. كنت أسيراً ولا أكاد أشق لي طريقا بينهم، ومنهم المثقف أنيق الهندام والمتسول البائس في الخرق البالية والأقذار التي ينبعث منها مكروب المرض فيوشك أن يخترق أجسادنا. هذا إلى العلماء في عباءاتهم وعمائمهم السوداء للشرفاء منهم، والبيضاء لغير الشرفاء يخضبون لحاهم بالحناء جميعاً، ومن زوار

<<  <  ج:
ص:  >  >>