قلت: أنت تدري أن الدولة مكونة من عناصر هي: وحدة الدين، واللغة، والجنس، والتقاليد، والتاريخ، والأماني، والغايات. . . وكل هذه العناصر ينتظمها (روح معنوي) يسرى بين سكان الدولة - هو شعورهم - بأنهم يكونون دولة لها وجود، ولها حياة، ولها غاية تسعى إليها. . . الكل المجموعي لا الجميعي لكل هذه العناصر، تنتظمه هذه الروح، هو ما يسمى بالدولة. فماذا ينقص الشعوب العربية من ذلك؟ لا شيء البتة. بل أنا أنظر حولي، فلا أرى شعباً في العالم يضم منه هذه العناصر ما يضمه الشعب العربي. إن ألمانيا الحديثة تقوم على أكذوبة (الجنس) فلنفرض أن (الوحدة العربية) تقوم على أكذوبة من هذا النوع. . . هذا إذا أعوزنا التعلل، وعجزنا عن التعليل!
إن الصعوبة الكبرى في قيام الوحدة العربية، تنشأ من أن العرب شعوب متعددة تخضع خضوعاً تاماً - أو ناقصاً - لدول شتى. كما أن هناك اختلافاً على مدلول هذه الكلمة وتفاصيل هذا المدلول (الوحدة العربية) يفسره كل تبعاً لما يراه أنه الأفق لمصلحته، أو رأيه، أو هواه.
فلو كان العرب كلهم أحراراً، أو لو كانوا كلهم يخضعون لسيادة دولة واحدة لحفزهم الغرض من وجودهم إلى الاتحاد، أو لدفعتهم الغاية المتحدة في التخلص من نير الأجنبي إلى تكوين الوحدة المرتجاة، كما أنهم لو تفاهموا لاتحدوا في وجهة النظر، وسبيل الوصول.
لو لم تكن (الوحدة العربية) حقيقةً واقعة، لكانت أمراً واجباً. إن الوحدة العربية ليست هدماً للمزايا الجنسية للشعوب القديمة: كالمصريين، والآشوريين، والبابليين. ولكنها جمع لكل هذه المزايا لتكوين شعب وأحد، وحدته خير من تفرقه على كل حال. أما مزايا الجنس فلا تموت والتوحيد لها بمثابة التطعيم، والتطعيم خير سبيل: للتجديد والتخليد والبقاء. إن الكبرياء العنصرية جهل بمزايا الوحدة، وإذا كانت الوحدة العربية كذباً، فكم من كذب هو أنفس من الصواب عند ذوي الزكانة والبصيرة، والكذب في السياسة، صدق في النظر!
الوحدة العربية، حقيقة واقعة، لأنها عقيدة راسخة!
الله موجود لأنه واجب الوجود، والوحدة العربية موجودة لأنها واجبة الوجود!