ظن صاحبنا إن الزواج - أو الزواج الحديث على الأقل - عمل دائم لا يتخلله انقطاع، فمن لم يكن متزوجاً في الصبح وفي الظهر وفي الأصيل وفي المساء فهو أعزب أو نصف أعزب على اقل تقدير. وكيف يستطيع الإنسان إن يجمع بين الزواج وعدم الزواج في آن؟ هما نقيضان لا يجتمعان؛ وقد يكون في الجمع بينهما بعض معنى الطلاق إبان شهر العسل والعياذ بالله.
فتزوج وتزوج وتزوج، ولم ينس واجب الحيطة والوقاية لأنه رجل حازم بصير وقاك الله شر الحزم والبصر من هذا القبيل.
فمع الزواج الدائم شرب دائم من السمن والعسل على الريق وبين الطعام والطعام، وكلما وجد السمن والعسل وهما موجودان.
وهل غذاء أوفر من السمن والعسل؟ وهل انفع منهما للبدن وارد منهما للعافية أطيب منهما حلالا معيناً على حلال؟
هكذا قدر صاحبنا فجاءه الضرر من حيث قدر، لأن عناء الكبد في هضم كوب من السمن والعسل أشق عليه من عناء الزواج الدائم، فلم يكن عوضاً ما تعوض به واستعانه على حلاله، بل كان كما أسلفت كلالاً على كلال، وفتوراً فوق فتور.
وآخرون يبارى بعضهم بعضاً في (كلفة) المائدة و (تسبيك) القدور واصطناع (الجيد) من الأصناف: عندهم الخفة على المعدة رديف التفاهة، والثقل على المعدة رديف المتعة والغزارة.
ولكل منهم صنف يشتهر به ويولم عليه؛ وهم بينهم متبادلون متعارضون، متسابقون في الكرم متساجلون، حتى لا تحرم المعدات نصيبها من الكظة والنصب يوماً أو بعض يوم، ولا يتخلف واحد منهم في مضمار السباق: السباق إلى القبور.
أفي البلد أمثال هؤلاء لا يزالون مع الاحياء، وتستغرب عنواني: مطاعم الأغنياء؟
ما أعجبه مطعما يساق إليه أصحاب الضياع والكراع شهراً من كل سنة يتعلمون فيه (الأكل) وينفقون عليه من أموالهم مكرهين!
وما أعجبه ديواناً من دواوين الحكومة يهجم على المطابخ الفاخرة كما يهجم على المحظورات والمهربات، ويصادر الدسم كما يصادر السم!! وهو السم بعينه وليس السم في