للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الدسم كما قال صاحب البردة رحمه الله.

على أن الآفة الكبرى أن يحرم المرء الغذاء لأنه لا يجده ولأنه لا يعرفه كما هو شأن الكثرة العظمى عندنا من سواد الفقراء.

فاكثر فقرائنا لا يفرقون بين التغذية وبين إسكات الجوع، وكأنما ينظرون إلى المعدة الصارخة نظرتهم إلى الكلب النابح الذي لا يراد منه إلا السكوت. . . فأن أسكتوه بعظمة فذلك حسن، وإن أسكتوه بحجر فذلك أحسن، ولا ضير عليهم بعد أن يسكت ويكف عن النباح.

أللبطن عيار أم خيار؟

ذلك جوابهم كلما (شبعوا) من طعام غث كثيف لا خير فيه، وكأنهم يحسبون من الصغار والمجانة أن يحفلوا بالمعدة الصارخة إذا استطاعوا أن يضحكوا منها بالقليل، فليس العجز عن خداعها والاحتيال عليها بالأمر الذي يليق بدهاء الرجال.

وربما رأيت هؤلاء المسكتين للمعدات بين أناس يعلمون الناس، ولا يعدون في مصلحة الإحصاء من زمرة الجهلاء.

كان لنا ولصديقنا صاحب الرسالة أيضاً زميل في التدريس يقبض ثمانية جنيهات في الشهر، ويشتري نصف فدان في العام، ويغمى عليه مرة أو مرتين في الأسبوع.

وعرضه ناظر المدرسة على طبيبها فاسر هذا إليه أن الرجل صحيح كأصح ما يكون الجسد السليم، وأن آفته كلها قلة الغذاء قلة الغذاء؟ كيف يكون هذا وهو يأكل ويشبع ولا يجوع؟

وأصر الرجل على طعامه، وخاف الناظر على تلاميذه أن يفوتهم من الحصص بمقدار ما يعتري الأستاذ من نوبات الإغماء. . فأذن له، بل آمره أن يأكل من طعام الغداء بغير ثمن، وفيه على الأقل ضمان وجبة نافعة في النهار. .!

كان القديس أوغسطين يقول إذا تكلم عن جسده: أخي الحمار. لأنه في حكمه حيوان كسائر فصائل الحيوان.

أما الجسد عند هؤلاء الذين يطعمونه وهم يسقمونه، ويسمونه وهم يحسبون أنهم يسمنونه، وينفقون المال ولا يعرفون كيف يأكلون، ويشبعون وخير لهم لو يجوعون، فهو الأحق بان

<<  <  ج:
ص:  >  >>