(د) لا ينكر أن الحقوق الفرنسية مستمدة من الحقوق الرومانية، والحقوق الرومانية مدونة باللغة اللاتينية. غير أن النصوص اللاتينية المتعلقة بالحقوق والقوانين - قد ترجمت بأجمعها إلى اللغة الفرنسية على يد اقدر العلماء والمتخصصين. فاصبح في استطاعة كل فرنسي أن يدرس الحقوق الرومانية دون أن يتعلم اللاتينية.
هذا، ويجب إلا يغرب عن البال أن الحقوق والقوانين العصرية لم تبق تحت سيطرة الحقوق الرومانية، وإن كانت قد استمدت - فيما مضى - أصولها منها. فأهمية الحقوق الرومانية في الثقافة الحقوقية آخذة في التضاؤل يوماً عن يوم، وسائرة نحو مطاوي التاريخ بخطوات سريعة.
ولهذا كله لا مجال لتبرير تعليم اللاتينية - بصورة منطقية - بحجة ضرورة ذلك لفهم الحقوق الرومانية.
(هـ) وأما مسألة الاصطلاحات العلمية الحديثة فأنها ليست من الأهمية بدرجة تستلزم صرف الجهود الشاقة لتعلم اللاتينية واليونانية، فان مصادر هذه الاصطلاحات وأساليبها محدودة، فليس من الصعب تعليمها مباشرة - مع ذكر وجوه اشتقاقها - دون التعمق في أغوار اللغتين القديمتين المذكورتين.
فضلاً عن أن المعاني الاصطلاحية قلما تنطبق على المعاني اللغوية؛ فمعرفة المعاني الأصلية قلما تساعد على فهم المعاني الاصطلاحية. ويمكننا أن نقول: إن عدم ضرورة التقيد بالمعاني الأصلية في الكلمات والتعبيرات المستخرجة من اللغات الميتة، كان من أهم العوامل التي سهلت وضع هذه الاصطلاحات الحديثة، ونشرها بين جميع الأمم العصرية (وذلك بجانب العامل الآخر، وهو ملاءمة عواطف الأمم التي لا تقبل عادة الاصطلاحات التي تستمد عناصرها من لغات الأمم المعاصرة لها). ولا نغالي إذا قلنا: إن هذه الاصطلاحات إنما أدخلت على اليونانية واللاتينية إدخالا، فلو أنها عرضت على أبناء اللاتينية أو آباء اليونانية في حياتهم، لما فهموا منها شيئاً، أو فهموا منها أشياء أخرى.
وعلى كل حال نستطيع أن نقول: إن معرفة المعاني الأصلية ليست ضرورية لفهم المعاني الاصطلاحية، كما أنها ليست مفيدة لها في اكثر الأحيان.