وتنسيق المعاملات. فكما أن أوربا خلقت شيئاً معنوياً ترتبط به وتلتف حوله أغراض سكانها على اختلاف أممهم، فكذلك نحن سيؤول مصيرنا إلى الالتفاف حول مثل أعلى يوفق بيننا فنصير كتلة واحدة وتصير أوطاننا جامعة وطنية واحدة، أو وطناً كبيراً بتفرع منه عدة أوطان - لكل منها شخصية لكنها في خصائصها القومية العامة متحدة متصلة اتصالاً قوياً بالوطن الأكبر).
وفي هذا البحث الممتع للأستاذ مكرم عبيد بشير آنفاً إلى رحلته الصيفية للديار الشامية وأنه كان يتحدث إلى المرحبين به قائلا:(المصريون عرب).
صدق والله، فقد كنت من جملة المرحبين بأخوته العربية في نزل أمية بدمشق، وسمعت هذه الكلمة الطيبة من فيه، لا فض فوه. ولا أزال اذكر ذلك يوم سألته عن تلك النعرة الفرعونية في مصر فقال لي ما معناه: نحن عرب في مصر ولا نمجد الفراعنة إلا لأنهم عرب!
الأستاذ مكرم عبيد فرعوني صميم، ومن نوابغ مصر في ثقافته وأخلاقه ووطنيته، والأستاذ طه حسين المسلم المصري يحكم والناس معه بالظن على فرعونيته، فلن يكون بذلك اصدق تفرعنا من مكرم عبيد، وإذا ما ادعى ذلك كان اشد فرعونية من فرعون نفسه، أو - اشد كما قيل - ملكية من الملك!
والأستاذ طه حسين الذي كان ينكر الوحدة العربية بأنواعها وشرائطها، ويعد من يقول بهذه الوحدة من أصحاب العقل القديم، قد اصبح ولله الحمد أخيراً قديم العقل كالأستاذ مكرم عبيد لقولهما بالوحدة العربية على شكل إمبراطورية جامعة أو اتحاد مشابه للاتحاد الأمريكي أو السويسري!
وأظن أخانا العربي الزيات قديم العقل أيضاً لقوله بالوحدة العربية، فما اجمل ذلك العقل القديم الذي يصل بين الأرحام المتقاطعة والأرواح المتناكرة والقلوب المتنافرة، ولخير لنا ألف مرة أن يجمع شملنا العقل القديم من أن يمزق ويفرق بيننا العقل الحديث.