كبعثات التبشير أو التنفير، ومروجي الإلحاد والفساد، وكتب التحريف والتخريف؛ وفي ردود دعاة الإسلام وحماة الفضيلة دفع لباطلهم، وكبح لجماحهم، ولكن هذه الكتب التي تضمنت فلسفة التوحيد وحكمة التشريع، هي سلاح علمي نشهره في وجوه أعدائنا، لحراسة عقائدنا، والدعوة إليها، والنضال عنها، لا لتلقي علم التوحيد وعقائده منها، فهي على نفاستها وضرورة دراستها وكونها لا يستغني عنها في مثل هذا الزمن، ليست كتباً موضوعة في علم التوحيد، ولا هي قواعد لعقائده المستمدة من نصوصه المبنية عليها، بل هي فلسفة تحوم حول التوحيد، وإيضاح لمحاسن الدين ومزاياه.
وهنالك نوع ثالث وهو الكتب التوحيدية السلفية التي أثبتت معاني النصوص وحقائقها الشرعية من طريق المنقول والمعقول، وردت كلام المعطلة والمؤولة رداً لم يبق حاجة في النفوس.
وقد كان حوار سلفنا الصالح مفحما للفرق التي ظهرت في عصورهم، وشاعت مقالاتهم في الناس كالقدرية والخوارج، والجبرية والجهمية، والمرجئة والوعيدية. وكتب علم السنة الإمام أحمد بن حنبل، والإمام عثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما من أئمة السلف اجل ما صنف في العقائد الصحيحة، وانفعها في النقض على هذه الفرق المنحرفة. وقد جدد عهدهم، وشرح مذهبهم، وبين أنه الأسلم والأعلم والأحكم شيخا الإسلام ابن تيمية، وابن قيم الجوزية في كتبهما، ثم من جاء بعدهما من أئمة الإسلام وأنصار العقيدة السلفية. ولكن كتب هؤلاء الأعلام الواسعة هي علمية تعليمية، لأنها في الغالب كتب حجاج ومناظرة، وتأييد لمداولات النصوص، ورد لشبهات الخصوم. فأنا أؤيد رأي أخي الطنطاوي فيما كتب، واقترح على حماة العقائد الصحيحة التي جاء بها القرآن أن يفتحوا باباً للتوحيد السلفي، وأن ينشروا فصولاً ملخصة مما كتبه الأئمة الثقات فيه، تكون تمهيداً لوضع سلسلة توحيدية تعليمية، مفرغة حلقاتها بأسلوب عصري مدرسي، تشرب القلوب حب السلف الصالح وأثارهم، وتطبع النفوس بطابع عقائدهم وأخلاقهم، وتغذي عقول النشء الإسلامي بلبان التوحيد الخالص المطهر من كل ما يخالطه من أدران البدع والزوائد، فتصح العقائد، وتزكو الأخلاق، وتتوحد المبادئ والغايات، فنضع هذا الاقتراح أمام أولي الكفاية والعزم من إخواننا السلفيين، لعله يجد مكاناً للاستحسان والتنفيذ إن شاء الله تعالى.