أو أثارة من علم إن كنتم صادقين) وقال:(ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا، فالحكم لله العلي الكبير)
أما دعاة غير الله فقد سهل عليهم الأمر لأنهم فهموا من كلمة التوحيد ما يخالف الوضع والشرع وفسروها بمعنى توحيد الله بأفعاله، وبالقدرة على الإبداع الاختراع، واخرجوا كل ما ذكرناه عن معناه اللغوي والشرعي، كالدعاء والخوف والرجاء، والحب والتعظيم، والاستعانة والاستغاثة والاستعاذة، والتوكل والذبح والنذر، والخضوع والخشوع والالتجاء، وغير ذلك من أنواع العبادة، وأجازوا فعله كله لغير الله، بعد أن نحلوه لقب التوسل والاستشفاع.
التوسل الجاهلي
ليس الكلام في التوسل الخلافي المشهور بين العلماء المحصور في دعاء الله وحده مع التوسل إليه بصالحي عباده، وإنما الكلام في توسل آخر لا يعرفه إلا الغلاة والجهال، وهو دعاء أهل القبور أنفسهم، والاستنجاد بهم، وطلب الغوث منهم لإنقاذ الغرقى وشفاء المرضى، ورد الغائبين وإغاثة الملهوفين، وإعانة المستعينين؛ وهذا لا يسمى توسلاً بهم لا دينا ولا عقلاً ولا لغة، بل هو دعاء لهم وطلب منهم وهو خارج عن موضوع التوسل وليس منه في شيء.
فان قلت إن الداعي لغير الله لم يرد بدعائه إلا الله، متوسلاً إليه بمن يدعوه، وإن قلبه منطو على عقيدة صحيحة لو كشف الغطاء لشهدت صحتها، وهلا شققت عن قلبه؟ (فالجواب) أن ما في القلب لا يعلمه إلا علام الغيوب، وأن الكلام منحصر في دائرة الأقوال والأفعال التي تناقض صحة العقيدة القلبية كل المناقضة، والشارع ناط الأحكام بالظاهر، والله يتولى السرائر. ولا يرد حديث:(هلا شققت عن قلبه) إلا على من يدعي معرفة الباطن، وأنه موافق أو مخالف للظاهر، وإنما البحث فيما يبدو للحس من قول أو عمل مصادم للشرع. وقد أنكر النبي (ص) على أسامة قتل من أتى بكلمة التوحيد ولم ينقضها بقول ولا عمل، فادعى أسامة (رضى الله عنه) أنه لم يأت بها عن عقيدة قلبية، فأنكر ذلك عليه صلوات الله عليه وقال: هلا شققت عن قلبه؟ وأين هذا من ذاك!
وصف القرآن أهل الجاهلية وفرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية بأنهم كانوا إذا وقعوا