الصحب الكرام ولا سيما الخلفاء الراشدين الذين من تمسك بسنتهن نجا، ومن شذ عنها شذ في النار، لتكون لنا مناراً كمنار الطريق
بقى النبي - بأبي هو وأمي (ص) - قبل الدفن ثلاثة أيام والنزاع قائم بين الصحب الكرام على أمر الخلافة حتى بايعوا أبا بكر (رض) ولم يسألوا النبي (ص) عمن هو الأحق بها من بعده. وكانت وقعة الجمل بين أم المؤمنين وابن عمه أبي السبطين الشهيدين، وسفكت دماء عزيزة عليه (ص) ولم يستفتوه قبل القتال ولا بعده وهو دفين في بيت عائشة بين سمعهم وبصرهم. وجرت وقائع صفين بين علي ومعاوية، وكانت أعظم هولاً وأشد فتكاً، ولم ينقل أن أحداً منهم استنجد بالنبي أو استغاث به، أو سأله عن حكم هذه الحرب أو التي قبلها، كما انهم لم يسألوا شهداء أحد عليهم الرضوان شيئاً من ذلك وهم سادة الشهداء. وجمع القرآن في عهد الصديق، ووقع الخلاف أولاً في جمعه، ولم يستفتوه في ذلك، وكانوا يسألون النبي (ص) عن كل ما يعرض لهم من الأمور فصار يسأل بعضهم بعضاً، ولم يجيئوا فيسألوه في قبره (ص) وقال عمر: الهم كنا إذا أجدبنا نستسقي بنبيك محمد (ص) فتسقينا؛ والآن نستسقي بعمه العباس، فطلبوا الدعاء من عمه ولم يطلبوه منه كما كانوا يفعلون في حياته بينهم. وقال عمر: ثلاث مسائل وددت لو أني سألت رسول الله (ص) عنها، ولم يسأله عنها بعد وفاته. وكانوا يضربون أكباد الإبل من الشام إلى المدينة ليسألوا عائشة عن حديث سمعته من النبي (ص) فكانت تجيبهم ولم يسألوه وهو في بيتها. ومضت القرون الثلاثة المفضلة وكل طبقة كانت تسأل من فوقها وتسفتيهم، ولم يسألوا سيد الأنبياء ولا سادة الشهداء الأحياء عند ربهم (شهداء أحد) عن شيء.
هذه هي أعمال الصحابة (رض) حينما هاجمتهم الخطوب، واستعرت بينهم نيران الحروب، ووقعت لهم مناظرات كالمناظرة التي جرت بين الشيخين في قتال ما نعى الزكاة، وكالخلاف الذي وقع في إرسال جيش أسامة بن زيد الذي عقد لواءه النبي (ص) ليسير إلى بعض جهات الشام، ولم يسألوا النبي (ص) عن شيء من ذلك أحوج ما كانوا إلى سؤاله، وأحرص ما كانوا على العمل بمقاله، وكان (ص) هو الذي يقسم بينهم الأعطيات والمغانم، ويكون فيهم في الغزوات ويرسل منهم السرايا، ولم يقع شيء من ذلك له بعد وفاته.
وجملة القول: أن النبي (ص) كان مرجعهم في الدين والدنيا في حياته، صاروا يرجعون