ولا عزَّ إلا عزنا قاهر له ... ويسألنا النصف الذليلُ فيُنصف
ومنا الذي لا ينطق الناس عنده ... ولكن هو المستأذن المتَنًصَّف
تراهم قعودا حوله وعيونهم ... مكسرة أبصارها ما تَصرَّف
وبنيان بيت الله نحن ولاته ... وبيت بأعلى إبلياء مشرف
لنا حيث آفاق البرية تلتقي ... عميد الحصى والقسوريّ المخندف
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا ... وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
وهذا البيت يبدو في أبيات الفرزدق أخاً حتماً لها وهو في أبيات جميل كأنه ابن عم كلالة. وروايته في شعر صاحب بثينة هي:
نسير أمام الناس والناس خلفنا ... فإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا
وإنه توارد الخواطر غير المستنكر، وإن كان قول الأخطل (نحن معاشر الشعراء أسرق من الصاغة. . .) لا ينكر
ومما يروى أفكوهة من الأفاكيه، وأضحوكة من الأضاحيك قول أبي هلال العسكري في كتابه (ديوان المعاني) وهو هذا: (وعند الناس قصيدة جميل أحسن وأسلس من قصيدة الفرزدق)
وأنا استعجب من أبي زيد محمد القرشي كيف لم يثبت فائية جميل مكان فائية الفرزدق في أول (الملحمات) في كتابه (جمهرة أشعار العرب)
الحق أن الأدباء قد يلفتون كلامهم وقد يهرئون بل قد يكفرون في الأحايين، وما قول العسكري هذا إلا من الكفر، والمختار من فائية جميل بثينة هو في الجزء الثامن من الأغاني، فليراجعه من شاء من الفضلاء ليرى كيف يجوز الحكم!
إن قصيدة جميل أحسن من قصيدة الفرزدق وأعظم منها وأفخم عند النسناس لا عند الناس. . .
ومن تخليط العسكري ما قاله في (كتاب الصناعتين) وقوله هو: (كان البحتري يفضل الفرزدق على جرير، ويزعم انه يتصرف من المعاني فيما لا يتصرف فيه جرير ويورد منه في شعره في كل قصيدة خلاف ما يورده في الأخرى، وجرير يكرر في هجاء الفرزدق الزبير وجعثن والنوار وانه قين لا يذكر شيئاً غير هذا. وسئل بعضهم عن أبي نواس