مكفوفة تريد أن تجد لها منفذاً. . . فشملني حزن عميق ودهشة، وأنا أعرفه زوجاً، وأعرفه في أيام لهوه لا يحجم في إباء، ولا يندفع في طيش. ثم قلت في لهفة:(وكيف. . . كيف)؟!
قال:(أما القصة فهي قصة قلبي. . . قلبي أنا، فهو قد القي بي في مضلات تتقاذفني، فلا أجد منها الخلاص). ثم سكت سكتة حزينة وكأنه يلم شعث تاريخ أيامه، أو كأنه يصارع في نفسه أمراً فيه الشجن والألم). . . ثم قال:(عرفتها فيمن عرفت، فتاة كطفلة بضة، فيها الجمال وفيها الأنوثة؛ ولمست فيها أشياء جذبتني إليها. فاندفعت إلى جانبها في طريق لا يثلم الشرف، ولا ينحط بالكرامة، وهي تبادلني غراماً بغرام، وعطفاً بحنان! وذهبت أتلمس السبيل إلى دارها، بين الفينة والفينة فلا تعوزني الحيلة. وكيف، وأخوها شاب في مثل سني؟!)
(وتصرمت أيام وأيام، وشيطان الهوى يشب في قلبي وقلبها في آن. فلا نفترق إلا على ميعاد، ولا نتلاقى إلا على شوق)! وفي ذات صباح كتبت إلي: (أفرأيت بالأمس وأنا أسير إلى جانبك في شارع. . . لقد رآنا واحد من أصدقاء أخي الأكبر الذين شبوا معه منذ الطفولة، وتعلقت حبال قلبه بدارنا. فحمل إليه خبر فضيحتي في غير تحرج. . . وأقبل أخي والشرر يقدح من نظراته، وهو يتوثب غضباً وحنقاً!. . . وراح يفرغ لعناته على رأسي أنا، فبت بأسوأ ليلة؛ وهكذا أصبحت غرضاً يتندر به القوم ويسخرون منه. . . هذه حياة نارية ضيقة تنذرني بويلات العيش وعار الفضيحة. . . لا أطيق الصبر عليها إلا أن تمدني بيد منك قوية، أو بلفظة رشيدة! أنت وحدك تستطيع أن تتفل على هذا السعير الملتهب فيحور رماداً. . .!).
(وانكشف أمامي ما أرادت، فرحت اقلب الأمر فما أهتدي إلى رأي)!!
وفي المساء جاءني حديثها:(. . . تلك أذن أنانية الرجل، يلهو ما انفسحت أمامه طرق اللهو، وعبث فنوناً من العبث؛ فإذا جد الجد خرج من إنسانيته، وألقى بالتي أحب في تنور يتلظى، وطار هو آمناً إلى حيث يلتقط الحب. . .!).
واضطرب قلبي لهذه الكلمات القاسية! فطرت إلى أخيها - في غير أناة ولا روية - أسر إليه بأمر، فبدت على وجهه سمات الهدوء والطمأنينة. ثم انطلقت وفي نفسي أن الأزمة قد تفرجت على حين لم أخسر أنا شيئاً.